قال أبو حيان رحمه الله تعالى : لم يعهد في كلام العرب وقوع الجملة الابتدائية جواباً ل « لو »، إنما جاء هذا المختلف في تخريجه، ولا تَثْبُت القواعد الكلية بالمحتمل.
والمثوبة فيها قولان :
أحدهما : أن وزنها « فعولة »، والأصل مَثْوُوبَة، فَثَقُلَت الضَّمة على « الواو »، فنقلت إلى الساكن قبلها، فالتقى ساكنان فحذف أحدهما مثل : مَقُولة ومجوزة ومصونة ومشوبة وقد جاءت مصادر على مفعول كالمعقول، فهي مصدر نقل ذلك الواحدي.
والثاني : أنها « مَفْعُلَة » من الثواب بضم العين، وإنما نقلت الضّمّة إلى الثاء، ويقال :« مَثْوبَة » بسكون الثاء وفتح الواو، وكان من حَقّها الإعلال فيقال :« مثابة » ك « مقامة »، إلا أنهم صححوها كما صححوا في الإعلال « مَكْرَزَة »، وبذلك قرأ أبو السمال وقتادة كمشورة. ومعنى « المثوبة » أي : ثواب وجزاء من الله.
وقيل : لرجعة إلى الله تعالى خير.
قوله :﴿ مِنْ عِنْدِ اللهِ ] في محلّ رفع صفة « لمثوبة »، فيتعلّق بمحذوف، أي : لمثوبة كائنة من عند الله تعالى.
والعندية هنا مجاز تقدم في نظائره.
قال أبو حيان : وهذا الوصف هو المسوغ لجواز الاتبداء بالنكرة.
قلت : ولا حاجة إلى هذا؛ لأن المسوغ هنا شيء آخر، وهو الاعتماد على لام الابتداء، حتى لو قيل في الكلام :{ لَمَثُوبَةٌ خَيْرٌ ] من غير وصف لصح.
والتنكير في « لمثوبة » يفيد أن شيئاً من الثواب وإن قلّ خير، فذلك لا يقال له قليل، ونظيره :{ وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ ﴾
[ التوبة : ٧٢ ].
وقوله :« خَيْرٌ » خبرٌ « لِمَثُوبَة »، وليست هنا بمعنى « أفعل » التفضيل، بل هي لبيان أنها فاضلة، كقوله تعالى :﴿ أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً ﴾ [ الفرقان : ٢٤ ] ﴿ أَفَمَن يلقى فِي النار خَيْرٌ ﴾ [ فصلت : ٤٠ ].
قوله تعالى :﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ جوابها محذوف تقيدره : لكان تحصيل المثوبة خيراً، أي : تحصيل أسبابها من الإيمان والتقوى، وكذلك قَدّره بعضهم : لآمنوا.
وفي مفعول « يعلمون » وجهان :
أحدهما : أنه محذوف اقتصاراً أي : لو كانا من ذوي العلم.
والثاني : أنه محذوف اختصاراً تقيدره : لو كانوا يعلمون التفضيل في ذلك، أو يعلمون أن ما عند الله خير وأبقى.


الصفحة التالية
Icon