وتقديره : أن الجهات كلها لله - تعالى - مُلْكاً ومِلْكاً، فلا يستحق منها شيء لذاته أن يكون قبلة، بل إنما تصير قبلة؛ لأن الله تعالى جعلها قبلة، وإذا كان كذلك فلا اعتراض عليه بالتَّحويل من جهة إلى جهة؛ لأنه لا يجب تعليل أحكام الله تعالى وأفعاله على قول أهل السُّنة.
وأما على قول المعتزلة فلهم طريقان :
الأول : لا يمتنع اختلاف المصالح لحسب اختلاف الجهات، وبيانه من وجوه :
أحدها : أنه إذا رسخ في أوهام بعض الناس أن هذه الجهة أشرف من غيرها بسبب أن هذا البيت بناه الخليل إبراهيم ﷺ وعظّمه، كان هذا الإنسان عند استقباله أشد تعظيماً وخشوعاً، وذلك مصلحة مطلوبة.
وثانيها : أن الكعبة منشأ محمد ﷺ، فتعظيم الكعبة يقتضي تعظيم محمد - ﷺ - وذلك أمر مطلوب [ لأنه متى رسخ في قلوبهم تعظيمه كان قبولهم لأوامره ونواهيه أسهل وأسرع، والمفضي إلى المطلوب مطلوب ].
وثالثها : أن الله - تعالى - بين ذلك في قوله :﴿ وَمَا جَعَلْنَا القبلة التي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرسول مِمَّن يَنقَلِبُ على عَقِبَيْهِ ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] فأمرهم الله - تعالى - حين كانوا ب « مكة » أن يتجهوا إلى « بيت المقدس » ليتميزوا عن المشركين، فلما هاجروا إلى « المدينة » وبها اليهود أمروا بالتوجه إلى الكعبة ليتميزوا عن اليهود.
[ ورابعها : أن في أفعاله حكماً، ثم إنها تارة تكون ظاهرة لنا، وتارة تكون مستورة خفية عنا، وتحويل القبلة يمكن أن يكون لمصالح خفية، وإذا كان كذلك استحال الطعن بهذا التحويل في الإسلام ].
فصل في استقبال الرسول ﷺ بيت المقدس هل كان عن رأي واجتهاد أم لا؟
اختلفوا هل كان استقباله بيت المقدس عن رأي واجتهاد أم لا؟
فقال الحسن : كان عن رأي واجتهاد، وهو قول عكرمة وأبي العالية.