وزعم الكوفيون أنها بمعنى « ما » النافية، وأن « اللام » بمعنى « إلا »، والمعنى : ما كانت إلا كبيرة، نقل ذلك عنهم أبو البقاء رحمه الله [ وفيه نظر. واعلم أن « إن » المكسورة الخفيفة تكون على أربعة أوجه :
جزاء، وهي تفيد ربط إحدى الجملتين بالأخرى، فالمستلزم هو الشرط، واللازم هو الجزاء، كقولك : إن جئتني أكرمتك.
ومخففة من الثقيلة، وهي تفيد توكيد المعنى في الجملة بمنزلة المشددة، كقولك : إن زيداً لقائم، قال تعالى :﴿ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ﴾ [ الطارق : ٤ ]، ﴿ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ﴾ [ الإسراء : ١٠٨ ].
وللجحد، لقوله تعالى :﴿ إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ ﴾ [ الأنعام : ٥٧ ] ﴿ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن ﴾ [ الأنعام : ١٤٨ ] ﴿ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا ﴾ [ فاطر : ٤١ ]. أي : ما يمسكهما. وزائدة كقوله : ما إن رأيت زيداً ]، والقراءة المشهورة نصب « كبيرة » على خبر « كان »، واسم كان مضمر فيها يعود على التولية، أو الصلاة، أو القبلة المدلول عليها بسياق الكلام.
وقرأ اليزيدي عن أبي عمرو : برفعها.
وفيه تأويلان :
أحدهما - وذكره الزمخشري - : أن « كان » زائدة، وفي زيادتها عاملةً نظر لا يخفى؛ وقد استدلّ الزمخشري على ذلك بقوله :[ الوافر ].

٨٢٥ - فَكَيْفَ إذَا مَرَرْتَ بِدَارِ قَوْمٍ وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامِ
فإن قوله :« كرام » صفة ل « جيران »، وزاد بينهما « كانوا »، وهي رافعة للضمير، ومن منع ذلك تأول « لنا » خبراً مقدماً، وجملة الكون صفة ل « جيران ».
والثاني : أن « كان » غير زائدة، بل يكون « كبيرة » خبراً لمبتدأ محذوف، والتقدير : وإن كانت لهي كبيرة، وتكون هذه الجملة في محلّ نصب خبراً لكانت، ودخلت لام الفرق على الجملة الواقعة خبراً، وهو توجيه ضعيفٌ، ولكن لا توجه هذه القراءة الشَّاذة بأكثر من ذلك.
[ والضمير في « كانت » فيه وجهان :
الأول : أنه يعود على القبلة؛ لأن المذكور السابق هو القبلة.
والثاني : يعود إلى ما دلّ عليه الكلام السّابق، وهو مفارقة القبلة، والتأنيث للتولية أي : وإن كانت التولية؛ لأن قوله تعالى :« ما ولاهم » يدل على القولية، ويحتمل أن يكون المعنى : وإن كانت هذه الفعلة نظيره « فبها ونعمت ».
ومعنى « كبيرة » ثقيلة شاقّة مُسْتنكرة.
وقوله تعال :﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ﴾ [ الكهف : ٥ ] ].
قوله :« إلاَّ عَلَى الَّذِينَ » متعلق ب « كبيرة »، وهو استثناء مفرغ.
فإن قيل : لم يتقدم هنا نفي ولا شبهة، وشرط الاستثناء المفرغ تقدم شيء من ذلك.
فالجواب : أن الكلام وإن كان موجباً لفظاً فغنه في معنى النفي؛ إذ المعنى أنها لا تخف ولا تسهل إلا على الذين، وهذا التأويل بعينه قد ذكروه في قوله :


الصفحة التالية
Icon