وقرأ أبي بن كعب تلقاء المسجد الحرام.
قال القرطبي : وهو في حرف ابن مسعود :« تِلْقَاء المسجد الحرام »، وقال الجبائي : المراد من التشطير هاهنا وسط المسجد، ومنتصفه؛ لأن الشطر هو النصف، والكعبة لما كانت واقعة في نصف المسجد حسن أن يقول :﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام ﴾ يعني : النصف من كل جهة، كأنه عبارة عن بُقْعة الكعبة، وهذا اختيار القاضي، ويدل عليه وجهان :
الأول : أن المصلي خارج المسجد لو وقف بحيث يكون متوجهاً إلى المسجد ولكن لا يكون متوجهاً إلى منتصف المسجد الذي هو موضع الكعبة لم تنفع صلاته.
الثاني : لو فسرنا الشرط بالجانب لم يَبْق لذكر الشطر مزيد فائدة؛ لأنك لو قلت :﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام ﴾ لحصلت الفائدة المطلوبة.
وإذا فسرنا الشطر بما ذكرناه كان لذكره فائدة زائدة ].
ويقال : شَطر : بعد، ومنه : الشّاطر، وهو الشّاب البعيد من الجيران الغائب عن منزله، ويقال : شَطَر شُطُوراً.
والشَّطِيرُ : البعيد، ومنه : منزل شَطِيرٌ، وشطر إليه أي : أقبل.
وقال الراغب : وصار يعبر بالشّاطر عن البعيد، وجمعه : شُطُرٌ، والشاطر أيضاً لمن يتباعد من الحق، وجمعه شُطَّارٌ.
[ فصل في الكلام على المسجد الحرام
قال الأزرقي : ذرع المسجد الحرام مقصراً مائة ألف وعشرون ألف ذِرَاع، وعدد أساطينه من شقّه الشَّرْقي : مائة وثلاث أُسْطُوَانات. ومن شقّه الغربي : مائة وخمس أُسْطُوانات، ومن شقّه الشّامي : مائة وخمس وثلاثون أسطوانة، ومن شقّه اليمنى : مائة وإحدى وأربعون أسطوانة.
وذرع ما بين كل أُسطوانتين ستة أذرع وثلاثة عشر إصبعاً.
وللمسجد الحرام ثلاثة وعشرون باباً، وعدد شُرُفاته مائتا شرفه واثنان وسبعون شرفة ونصف شرفة، ويطلب المسجد الحرام، وَيُرَاد به الكعبة.
قال تعالى :﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام ﴾.
ويطلب ويراد به المسجد معها.
وقال ﷺ :« لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ لِثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ : المَسْجِدِ الحَرَامِ » إلى آخره، ويطلق ويراد به « مَكّة » كلها، وقال سبحانه وتعالى :﴿ سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المسجد الحرام ﴾ [ الإسراء : ١ ] قال المفسرون : كان الإسراء من بيت أُمِّ هانئ بنت أبي طالب.
ويطلق ويراد به « مكة » كلها، قال سبحانه وتعالى :﴿ ذلك لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسجد الحرام ﴾ [ البقرة : ١٩٦ ].
قال البعض : حاضروا المسجد الحرام من كان منه دون مسافة نفر.
وقال تعالى :﴿ إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا ﴾ [ التوبة : ٢٨ ]، هل تعتبر هذه المسافة من نفس « مكة » أو من طرف الحرم؟ والأصح أنها من طرف الحرم ].

فصل في المراد بالمسجد الحرام


اختلفوا في المراد من المسجد الحرام.
روي عن ابن عباس، أنه قال : البيت قِبْلة لأهل المسجد، والمسجد قِبْلة لأهل الحرم، والحرم قبلة لأهل المشرق والمغرب، وهذا قول مالك رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon