وقال الفراء :« إِنْ » هنا بمعنى « لو ».
وهذا من أبي البقاء يؤذن أن الجواب للشرط وإنما حذفت الفاء لكون فعل الشرط ماضياً، وهذا منه غير مُرْضٍ؛ لأنه خالف البصريين والكوفيين بهذه المَقَالَة.
فصل في المراد بالآية.
قال الأصم : المراد من الآية علماؤهم الذين أخبر عنهم في الآية الكريمة المتقدمة بقوله تعالى :﴿ وَإِنَّ الذين أُوتُواْ الكتاب لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّهِمْ ﴾ [ البقرة : ١٤٤ ] ؛ لأن الآية الكريمة لا تتناول العوام، ولو كان المراد الكل لامتنع الكِتْمان؛ لأن الجمع العظيم لا يجوز عليهم الكِتْمَان، ولأنا لو حملناه على العموم لصارت الآية كذباً؛ لان كثيراً من أهل الكتاب آمن بمحمد - ﷺ - وتبع قبلته.
وقال آخرون : بل المراد جميع أهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ لأن الذين أوتوا الكتاب صيغة عموم، فيتناول الكل.
فصل في لفظ « آية »
« الآية » : وزنها « فَعَلَة » أصلها : أَيَيَة «، فاستثقلوا التشديد في الآية فأبدلوا من الياء الأولى ألفاً لانفتاح ما قبلها.
والآية : الحُجّة والعلامة، وآية الرجل : شخصه، وخرج القول بآيتهم أي : جماعتهم.
وسميت آية القرآن بذلك؛ لأنها جماعة حروف. وقيل : لأنها علامة لانقطاع الكلام الذي بعدها.
وقيل : لانها دالة على انقطاعها عن المخلوقين، وأنها ليست إلا من كلام الله تعالى.
فصل في سبب نزول هذه الآية
روي أن يهود » المدينة «، ونصارى » نجران « قالوا للرسول ﷺ وشرف وكرم ومجد وبجل وعظم : ائتنا بآية كما أتى الأنبياء قبلك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال ابن الخطيب :» والأقرب أان هذه الآية ما نزلت في واقعة مبتدأة، بل هي من بقية أحكام تحويل القبلة «.
قوله :﴿ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعِ قِبْلَتَهُمْ ﴾.
» ما « تحتمل الوجهين أعني : كونها حجازية، أو تميمية : فعلى الأول يكون » أنت « مرفوعاً بها، و » بتابع « في محلّ نصب.
وعلى الثاني يكون مرفوعاً بالابتداء، و » بتابع « في محلّ رفع، وهذه الجملة معطوفة على جملة الشرط، وجوابه لا على الجواب وحده، إذ لا يحل محله؛ لأن نفس تبعيتهم لقبلته مقيد بشرط لا يصح أن يكون قيداً في نفي تبعيته قبلتهم، وهذه الجملة أبلغ في النفي من قوله :﴿ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ﴾ من وجوه :
أحدها : كونها اسمية متكررة فيها الاسم، مؤكد نفيها بالباء.
ووحّد القبلة وإن كانت مثناة : لأن لليهود قبلة، وللنصارى قبلة أخرى لأحد وجهين :
إما لاشتراكهما في البطلان صارا قبلة واحدة، وإما لأجل المقابلة في اللفظ؛ لأن قبله :﴿ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ﴾.
وقرئ :﴿ بِتَابِعٍ قِبْلَتِهِمْ ﴾ بالإضافة تخفيفاً؛ لأن اسم الفاعل المستكمل لشروط العمل يجوز فيه الوجهان.
واختلف في هذه الجملة : هل المراد بها النهي أي : لا تتبع قبلتهم، ومعناه : الدوام على ما أنت عليه؛ لأن معصوم من اتباع قبلتهم، أو الإخبار المَحْض بنفي الأتبّاع، والمعنى أن هذه القبلة لا تصير مَنْسوخة، أو قطع رجاء أهل الكتاب أن يعود إلى قبلتهم؟ قولان مشهوران.