وجاء في هذا المكان « مِنْ بِعْدِ مَا جَاءَكَ » وقال قبل هذا :﴿ بَعْدَ الذي جَآءَكَ ﴾ [ البقرة : ١٢٠ ] وفي « الرعد » :﴿ بَعْدَ مَا جَآءَكَ ﴾ [ الرعد : ٣٧ ] فلم يأت ب « من » الجارة إلا هنا، واختص موضعاً ب « الذين »، وموضعين ب « ما »، فما الحكمة في ذلك؟
والجواب : ما ذكره بعضهم وهو أن « الذي » أخص و « ما » أشد إبهاماً، فحيث أتي ب « الذي » أشير به إلى العلم بصحّة الدين الذي هو الإسلام المانع من ملّتي اليهود والنصارى، فكان اللفظ الأخص الأشهر أولى فيه؛ لأنه علم بكل أصول الدين، وحيث أتي بلفظ « ما » أشير به إلى العلم [ بركنين ] من أركان الدين، أحدهما : القبلة، والأخر : بعض الكتاب؛ لأنه أشار إلى قوله :﴿ وَمِنَ الأحزاب مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ ﴾ [ الرعد : ٣٦ ].
قال : وأما دخول « : من » ففائدته ظاهرة، وهي بيان أول الوقت الذي وجب عليه - عليه السلام - أن يخالف أهل الكتاب في قبلتهم، والذي يقال في هذا : إنه من باب التنوع من البلاغة.


الصفحة التالية
Icon