وقيل « من » للتبعيض، أي : ما يودون أن يُنَزَّل من الخير قليل ولا كثير، فعلى هذا يكون القائم مقام الفاعل :« عليكم »، والمعنى : أن ينزل عليكم بخير من الخُيُور.
والمراد بالخير هنا الوَحْي.
والمعنى : أنهم يرون أنفسهم أحقّ بأن يوحى إليهم فيحسدونكم، فبيّن سبحانه وتعالى أن حسدهم لا يؤثّر في زوال ذلك بقوله :﴿ اللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾.
قوله :« مِنْ رَبِّكُمْ » في « من » أيضاً قولان :
أحدهما : أنها لابتداء الغاية، فتتعلّق ب « ينزّل ».
والثاني : أنها للتبعيض، ولا بد حينئذ من حّذْف مضاف تقديره : من خُيُور ربّكم، وتتعلق حينئذ بمحذوف، لأنها ومجرورها صفة لقولهك « من خير » أي : من خير كائن من خُيُور ربكم، ويكون في محلّها وجهان :
الجر على اللفظ، والرفع على الموضع، لأن « من » زائدة في « خير »، فهو مرفوع تقديراً لقيامه مقام الفاعل كما تقدم.
وتلخص مما تقدم أن في كل واحدة من لفظ « ممن » قولين :
الأول : قيل : إنها للتبعيض، وقيل : أو لبيان الجنس.
وفي الثانية قولان : زائدة أو للتعبيض.
وفي الثالثة : أيضاً قولان : لابتداء الغاية، أو التبعيض.
قوله :﴿ واللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ هذه جملة ابتدائية تضمنت ردّ وَدادَتهم ذلك.
و « يختص » يحتمل أن يكون متعدياً، وأن يكون لازماًن فإن كانت متعدياً كان فيه ضمير يعود على الله تعالى، وتكن « من » مفعولاً به أي يختص الله الذي يشاؤه برحْمته، ويكون معنى « افتعل » هنا معنى المجرد نحو : كسب مالاً واكتسبه، وإن كان لازماً لم يكن فيه ضمير، ويكون فاعله « من » أي : والله يختصّ برحمته الشَّخً الذي يشاؤه، ويكون « افتعل » بمعنى الفاعل بنفسه نحو : اضطراب، والاختصاص ضد الاشتراك، وبهذا [ يتبين فساد ] قول من زعم أنه هنا متعدّ ليس غلاّ.
و « مَنْ » يجوز أن تكون موصولة أو موصوفة، وعلى كلا التقديرين فلا بد من تقدير عائد، أي : يشاء اختصاصه.
ويجوز أن يمضن « يشاء » معنى يختار، فحينئذ لا حاجة إلى حَذْف مضاف، بل تقدره ضميراً فقط أي : يشاؤه، و « يشاء » على القول الأول لا محلّ له لكونه صلةً، وعلى الثاني محلّه النَّصب، أو الرفع على [ حسب ] ما ذكر في موصوفه من كونه فاعلاً أو مفعولاً.
فصل في تفسير الرحمة في الآية
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :« يختصّ برحمته » أي بنبوّته، خص بها محمداً ﷺ.
وقيل : الرحمة القرآن.
وقيل : هنا عامة لجميع أنواعها التي قد منحها الله عباده قديماً وحديثاُ.