٨٤٨ - وَقَدَّمَتِ الأَدِيمَ لِرَاهِشَيْهِ وَأَلْفَى قَوْلَها كَذِباً وَمَيْنَا
وقوله :[ الطويل ]
٨٤٩ - أَلاَ حَبَّذَا هِندُ وَأَرْضٌ بِهَا هِنْدٌ وَهِنْدٌ أَتَى مِنْ دُونِهَا النَّأْيُ وَالْبُعْدُ
قولُه تعالى :« مِنْ رَبِّهِمْ » فيه وَجْهَانِ :
أَحدُهما : أنه متعلق بمحذوف؛ لأنه صَفةٌ ل « صلوات » و « من » للابتداءِ، فهو في مَحَلِّ رفع، أيْ : صلوات كائنة مِنْ رَبِّهم.
والثَّانِي : أنه يتعلق بما تضمنه قولُه « عَلَيْهِمْ » من الفعل إذَا جعلناه رَافعاً ل « صلوات » رفع الفاعل، فعلى الأول، يكون قد حذف الصفة بعد « رَحْمة » أَيْ : ورحمة منه.
وعلى الثَّانِي : لاَ يَحْتَاجُ إلى ذلك.
وقولُه :« وأُولَئِكُ هُمْ الْمُهْتَدُونَ » نَظيرُ :﴿ وأولئك هُمُ المفلحون ﴾ [ البقرة : ٥ ] وفيه وجوهٌ :
أَحَدُهَا : أ، هم هم المهتدون لهذه الطَّرِيقَةِ المُوصّلَةِ بصاحبها إلى كل خير.
وثَانِيهَا : المُهْتدُونَ إلى الجنَّةِ الفائزون بالثواب.
وثَالِثُها : المُهْتدُونَ لسائِر ما لزمهم.
فَصْلٌ في الكلام في الآية
قال أَبُوا الْبَقَاءِ :« هُمُ المُهْتَدُونَ » هُمْ : مُبْتَدأٌ أو توكيد أو فصل.
فإن قِيلَ : لِمَ أَفْرَدَ الرحْمَةَ وجَمَعَ الصَّلَواتِ؟
فالجوابُ : قال بعضُهم : إن الرحمَةَ مصدرٌ بمعنى التعطُّف والتحنُّن، ولا يجمعُ و « التَّاءُ » فيها بمنزلتها في الملّة والمحبّةِ والرأْفَةِ، والرحمةُ ليست للتحذيرِ، بل مَنْزِلتُها في مرية وثمرة، فكما لا يُقالُ : رقات ولا خلات ولا رأفات، ولا يُقال : رَحَمات، ودخول الجمعُ يُشْعرُ بالتحذِيرِ والتقييد بعده، والإفْرَادُ مُطْلقاً مِنْ غَيْر تَحْدِيدٍ، فالإفْرَادُ - هنا - أَكْملُ وأكرُ مَعْنًى مع الجمع؛ لأنه زيد بمدلول المفرد أكثر مِنْ مدلولِ الجَمْعِ، ولهذا كان قولُه تَعَالى :﴿ فَلِلَّهِ الحجة البالغة ﴾ [ الأنعام : ١٤٩ ] أَعَمَّ وأَتَمَّ مَعْنًى مِنْ أَنْ يُقالَ : لِلَّهِ الحُجَجُ البَوالِغُ، وكذا قولُه :﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا ﴾ [ إبراهيم : ٣٤ ] أتمُّ مَعْنًى مِنْ أنْ يُقالَ : وإنْ تَعَدُّوا نِعَمَ الله لا تُحْصُوها، وقولُه سُبْحَانَهُ وتَعَالَى :﴿ رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدنيا حَسَنَةً ﴾ [ البقرة : ٢٠١ ] أتمُّ مَعْنًى مِنْ قوله : حَسَناتٍ، وقولُه :﴿ بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ ﴾ [ آل عمران : ١٧٤ ]، أتَمُّ معنى من قوله : بنعمٍ، ونظائِرهُ كَثِيرةٌ.
وأما الصّلوات فالمراد بها درجات الثَّوَاب، وهي إنما تحصل شيئاً بَعْدَ شَيْءٍ، فكأنه دلّ على الصِّفَةِ المقصوُدَةِ.


الصفحة التالية
Icon