الثاني : أَنْ تكُونَ الملائكةُ عَطْفاً على « لَعْنَةُ » بتقدير حَذْف مضافٍ، أي :« وَلَعْنَةُ المَلاَئِكَةِ » فَلَمَّا حذَفَا المضافَ، أُقِيمَ المضافُ إلَيْه مُقَامَهُ.
الثالث : أنْ يكُونَ مبتدأً قد حُذِفَ خبرهُ تقْديرُهُ ﴿ وَالمَلاَئِكَةُ وَالنَّاسُ أَجْمَعُونَ تَلْعَنُهُمْ ﴾ وهذه أوجُهٌ متكلَّفةٌ، وإِعْمَالُ المصدر المنوَّنِ ثابِتٌ؛ غايُةُ ما في الباب : أنه قد يُحْذَفُ فاعلُهُ؛ كقوله ﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ ﴾ [ البلد : ١٤ - ١٥ ]. وأيْضاً : فقد أَتْبَعَتِ العَرَبُ المجرورَ المَصْدر عَلَى رَفْعاً؛ قال :[ البسيط ].

٨٦١ -................ مَشْيَ الهَلُوكِ عَلَيْهَا الخَيْعَلُ الْفَضُلُ
برفع « الفُضُلُ » وهي ل « الهَلُوكِ » على المَوْضِع؛ وإذَا ثَبَتَ ذلكَ في النَّعْتِ، ثَبَتَ فِي العَطْفِ؛ لأنَّهما تابعانِ مِنَ التوابع الخمْسَةِ، و « أَجْمَعِينَ » : من ألْفَاظِ التأْكِيد
المعنويِّ بمنزلةِ كُلٍّ.
قال ابنُ الخَطِيبِ : والآيةُ تَدُلُّ على جواز التَّخْصْيصِ معَ التَّوْكِيد؛ لأنَّه تعالى قال :« والنَّاسِ أَجْمَعِينَ » مع أنَّه مخصوصٌ على مَذْهَب مَنْ قال : المراد بالنَّاس بَعْضُهُمْ.
قوله تعالَى :« خِالِدِينَ » حالٌ من الضَّمير في « عَلَيْهِمْ » والعاملُ فيها الظرْفُ من قوله « عَلَيْهِمْ » ؛ لأنَّ فيه معنى الاسْتقْرَار لِلَّعْنة، والخلودُ : اللُّزومُ الطَّويل، ومنْه قوله تعالى :« أَخْلدَهُ » أي : لَزِمُهُ، ورَكَنَ إلَيْه.
قال بعضُهُمْ :« خَالِدِينَ فِي اللَّعْنَة ».
وقيلَ : في النَّار، أُضْمِرَتْ؛ تفخيماً وتهويلاً؛ كقوله ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر ﴾ [ القدر : ١ ].
والأول أولى؛ لوجوه :
الأول : أَنَّ ردَّ الضَّميرِ [ إلى المَذْكُور السَّابق أَوْلَى مِنْ رَدِّة، إذَا لم يُذْكَر.
الثاني : أَنَّ حَمْلَ هذا الضَّمِير على اللَّعْنَة ] أَمكْثَرُ فائدةً؟ لأنَّ اللَّعْنَ هو الإبْعَادُ مِنَ الثَّوَاب بفِعْل العِقَاب في الآخِرَة، وإيجادِهِ في الدُّنيا، فيدخل في اللعن النَّار وزيادةٌ [ فكان حَملُ اللَّفظ عليهم أولى ].
[ الثالث : أن حمل الضمير على اللَّعن يكون حاصلاً في الحال وبعده، وحمله على النَّار لا يكون حالاً حاصلاً في الحال، بل لا بدَّ من تأويلٍ ].
قوله تعالى :« يُخَفَّفُ » فيه ثلاثةُ أوجه :
أحدها : أن يكون مستأنفاً.
الثاني : أن يكون حالاً من الضَّمير في « خَالِدِينَ » فيكون حالان متداخلان.
الثالث : أن يكون حالاً ثانية من الضَّمير في « عَلَيْهِمْ »، وكذلك عند من يجيز تعدُّد الحال. وقد منع أبو البقاء هذا الوجه، بناءً منه على مذهبه في ذلك.
وقوله :« وَلاَ هُمْ يَنْظَرُونَ ».
قال مَكِّيٌّ رحمه الله : هو ابتداءٌ وخبرٌ في موضع الحال من الضَّمير في « خالدين » أو من الضَّمير في « عَنْهُمْ ».

فصل في وصف العذاب


اعلم أنه تعالى وصف هذا العذاب بثلاثة أمورٍ :
أحدها : الخلود، وهو المكث الطَّويل عِنْدنا، أو المكث الدَّائم عند المعتزلة.


الصفحة التالية
Icon