قال شهاب الدين : والَّذي قالُوهُ غَيْرُ مُشْكِلٍ؛ لأنهم لم يقولُوا : هو بدَلٌ من اسْم « لاَ » على اللَّفظِ؛ حتى يلزمَهُمْ تكريرُ العامِلِ، وإنَّما كان يشكلُ لو أجازُوا إبْدَالَهُ مِن اسْمِ « لاَ » على اللَّفظِ، وهم لم يجيزوا ذلك لعَدَم تكير العَامِلِ، ولذلك منعوا وجْهَ البَدَلِ في قولهمْ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ » وجعلُوهُ انتصاباً على الاستِثْناءِ، وأَجَازُوهُ في قولك :« لا رَجُلَ في الدَّارِ إلاَّ صاحِباً لك » لأنَّه يُمْكِن فيه تكريرُ العَامِلِ.
قوله تعالى :« الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ » فيه أربعةُ أوْجُهٍ :
أحدها : أن يكونَ بَدَلاً منْ « هُوَ » بدَلَ ظاهرٍ مِنْ مُضْمَرٍ، إلا أن هذا يُؤَدِّي إلى البَدَلِ بالمُشْتقَّاتِ وهو قليلٌ؛ ويُمْكِنُ أنْ يجاب بأنَّ هاتَين الصفتَيْن جَرَتا مَجْرَى الجوامِدِ ولا سِيَّمَا عنْدَ من يَجْعل [ الرَّحْمن ] علماً، وقد تقدَّم تحقيقُهُ في « البَسْمَلَةِ ».
الثاني : أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي : هُو الرَّحْمَنُ، وحسَّنَ حذْفَهُ توالي اللفْظِ ب « هُوَ » مرَّتَيْن.
الثالث : أن يكوم خبراً ثالثاً لقوله :« وَإلَهُكُمْ » أخبر عنْهُ بقوله :« إِلَهٌ وَاحِدٌ » وبقوله :« لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ » وبقوله :« الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ »، وذلك عند مَنْ يَرَى تعدّدَ الخَبَرِ مُطْلقاً.
الرابع : أن يكون صفةً لقولِهِ « هُوَ »، و [ ذلك ] عند الكِسَائِيِّ؛ فإنَّه يجيزُ وَصف الضَّمير الغائب بصفة المَدح، فاشترط في وصف الضَّمير هذَين الشَّرْطَين : أن يكون غائباً، وأن تكون الصفَةُ صفةَ مَدْحٍ؛ وإن كان ابنُ مالكٍ أطْلَقَ عَنْه جوازَ وَصْفِ ضمير الغائِب، ولا يجوز أنْ يكُون خبراً ل « هُوَ » هذه المذكورةِ؛ لأنَّ المستثنى ليْسَ بجُملةٍ.
فصل في سبب النُّزُول
قال ابن عبَّاسِ : سَبَبُ نُزُول هذه الآية أَنَّ كُفَّار قُرَيش قالوا : يا مُحَمَّد، صِفْ وانسُبْ لَنَا رَبَّكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى سُورَةَ الإخْلاَصِ، وهَذه الآيَة.
قال أبو الضُّحَى : لمَّا نزلَّتْ هذه الآيةُ، قال المُشْرِكُون : إنَّ محمَّداً يقُولُ : إلَهكُم إِلَهٌ وَاحِدٌ، فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ، إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَأَنْزل اللَّهُ - عَزَّ وَجَّل - :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض ﴾ [ والمرادُ بالخَلْق هنا المخلُوقُ.
قال أبو مسلم : وأصْلُ الخَلْق التقديرُ؛ قالَ تعالى :﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ﴾ [ الفرقان : ٢ ].