وأيضاً : فإنَّ إقْبال الخَلق في أوَّل الليل على النَّوم يُشْبه مَوْتَ الخلائِق عند النَّفخةِ الأولى في الصُّور، ويقظتهم آخِرَ اللَّيْل يشبهُ عَوْدَة الحياة إليهم عند النَّفخة الثانية، هذا أيضاً من الآياتِ العَظِيمة.
وأيضاً : انشقاقُ ظُلمة الليْلِ بظهورِ الصُّبْحِ المستطيل كأنَّهُ جَدولُ ماءٍ صافٍ يَسيلُ في بَحْرِ كَدِرٍ بحيث لا يتكدّر الصَّافي بالكَدِرِ، ولاَ الكَدرُ الصافي، وهو المرادُ بقوله :﴿ فَالِقُ الإصباح وَجَعَلَ الليل سَكَناً ﴾ [ الأنعام : ٩٦ ].
قال علماءُ الهَيْئَة : إنَّ الموضع الذي يكون القُطب فيه على سَمْتِ الرأسِ تكُونُ السَّنَةُ فيه [ سِتَّةَ أشهرٍ نهاراً ] وستَّةُ أشْهُرٍ ليلاً، وهناكَ لا يَتِمُّ النُّضج، ولا يصلحُ لِمَسْكنِ الحيوانِ ولا يتهيأُ فيه سبَبٌ من أسْبَاب المَعيشة.

فصل في أصل الليل


اختلفُوا؛ قيل : الليلُ : اسم جنس، فيفرق بَيْن واحد وجمعه بتاء التأنيث؛ فيقال : لَيْلَةٌ وَلَيْلٌ؛ كتَمْرَةٍ وَتَمْرٍ، واللَّيالي جمعُ الجَمْعِ، والصحيحُ : أنَّهُ مفْرَدٌ، ولا يحفظ له جَمعٌ؛ وكذلك خطَّأ الناسُ مَنْ زعَمْ أنَّ « الليالي » جَمْعُ « لَيْلٍ »، بل الليالي جمعُ « لَيْلَة » وهو جمعٌ غريبٌ، ولذلك قالُوا : هو جمعُ « لَيْلاَةٍ » تقديراً، وقد صُرِّح بهذا المفْرَدِ في قول الشَّاعر :[ السريع أو الرجز ]
٨٦٤ - في كُلِّ يَوْمٍ ما وَكُلِّ لَيْلاَهْ... حَتَّى يَقُولَ كُلُّ رَاءٍ إِذَا رَآهْ... يَا وَيْحَهُ مِنْ جَمَلٍ مَا أَشْقَاهْ... ويدلُّ على ذلك تصيغرُهُمْ لها على « ليُبْلَةٍ » ونظيرُ « لَيْلَةٍ » و « ولَيَالٍ » :« كَيْكَةٌ وكَيَاك » ؛ كأنَّهم توهَّموا أَنَّاها « كَيْكَاتٌ » في الأصْل، والكَيْكَةُ : البَيْضَةُ.
وأمَّا النَّهار : فقال الرَّاغب :« هو في الشَّرْع : اسمٌ لما بين طُلُوع الفجر إلى غروب الشَّمس ».
قال ابن فَارِس :« والنَّهارُ » : ضياءُ مَا بين طُلُوع الفَجْر إلى غُرُوب الشمس قال القرطبي : وهُوَ الصحيحُ؛ ويدلُّ عليه ما ثبت في « صحيح مُسْلِم » : عن عَدِيِّ بن حاتم، قال : لَمَّا نَزلَتْ :﴿ حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الأبيض مِنَ الخيط الأسود مِنَ الفجر ﴾ [ البقرة : ١٨٧ ] قال له عَدِيٌّ : يا رسول اللَّهِ، إنِّي جَعَلتُ تَحتَ وِسَادَتِي عِقَالَيْن؛ عِقَالاً أَبْيَضَ، وعِقَالاً أَسْوَدَ، أَعْرِفُ بهما اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَواتُ اللَّهِ البَرِّ الرَّحِيم وسَلاَمُهُ عَلَيْهِ - :« إِنَّ وسَادَكَ لَعَرِيضٌ » يعني إنَّما هو سوادُ الليْلِ وبياضُ النهارِ، وبهذَا يقْضِي الفقهُ في الأيْمَان، وبه ترتبطُ الأحْكام.


الصفحة التالية
Icon