[ يونس : ٢٢ ] وهذا أغلب وقوعها في الكلام، وفي الحديث :« اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحاً، وَلاَ تَجْعَلْهَا رِيحاً » ؛ لأنَّ رِيحَ العذَابِ شديدةٌ ملتئمةُ الأجْزاءِ، كأنَّهَا جسْمٌ واحدٌ، وريح الرَّحْمَة ليِّنَةٌ متقطِّعَةٌ، وإنما أُفْرِدَتْ مع الفُلْكِ - يعني في يونس - لأنَّها لإجراء السُّفُن، وهي واحدةٌ متَّصِلَةٌ؛ ثمَّ وصفت بالطَّيِّبَةِ، فزال الاشتراك بينها، وبين ريح العذاب «. انتهى.
وردَّ بعضهم هذا؛ باختلاف القُرَّاء في اثْنِي عَشَرَ موضعاً في القرآن، وهذا لا يَرُدُّه لأنَّ من جمع في الرَّحمة، فقد أتى بالأصل المُشِار إليه، ومن أفرد في الرّحمة، فقد أراد الجنس، [ وأما الجمع في العذاب، فلم يأتِ أصلاً ]، وإما الإفراد فإن وصف، كما في يونس من قوله :»
بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ « فإنَّه مزيلٌ للَّبس، وإن أطْلَقَ، كان للعذَابِ، كما في الحديث، وقد تختصُّ اللفظة في القرآن بشيءٍ، فيكون أمارةً له، فمن ذلك : ان عامَّة ما في القرآن من قوله :﴿ يُدْرِيكَ ﴾ [ الشورى : ١٧ ] مبهمٌ غير مبيَّن، قال تعالى :﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ ﴾ [ الشورى : ١٧ ] وما كان من لفظ » أَدْرَاك « فإنَّه مفسَّر؛ كقوله تعالى :﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾ [ القارعة : ١٠ - ١١ ].
وقرأ حَمْزَةُ، والكسائيُّ هنا »
الرِّيح « بالإفراد، والباقون بالجَمع، فالجمع لاختلاف أناوعها : جَنُوباً ودَبُوراً وصَباً وغير ذلك، وإفرادها على إرادة الجنس، وكلُّ ريح في القرآن ليس فيها ألفٌ ولامٌ، اتفق القرَّاء على توحيدها، وما فيها ألف ولام، اختلفوا في جمعها، وتوحيدها، إلاَّ الرِّيح العقيم في سورة الذَّاريات [ ٤١ ]، اتفقوا على توحيدها، والحرف الأوَّل من سورة الروم ﴿ الرياح مُبَشِّرَاتٍ ﴾ [ الروم : ٤٦ ] اتفقوا على جمعها، والرِّياح : تذكَّر، تؤنَّث.

فصل في بيان تصريف الرياح


وأمَّا تصريفها : فإنها تُصرَّفُ إلى الشَّمال والجنوب والقبول والدَّبور، وما بين كلِّ واحدٍ من هذه المهابِّ، فهي نكباء، وقيل في تصريفها : إنها تارةً تكون ليِّنة، وتارةً تكون عاصفةٌ، [ وتارةً حارَّةً ]، وتارة باردةً.
قال ابن عبَّاس - رضي الله تعالى عنهما - : أعظم جنود الله تعالى الرِّيح، والماء، وسمِّيت الرِّيح ريحاً؛ لأنها تريح النفوس.
قال القاضي شريح : ما هبَّت ريحٌ إلاَّ لشفاء سقيم، ولسقيم صحيحٍ. والبشارة في ثلاثة من الرِّياح، في الصَّبا، والشَّمال، والجنوب، وأمَّا الدَّبور، فهي : الرِّيح العقيم، لا بشارة فيها.
وقيل : الرِّياح ثمانيةٌ : أربعةٌ للرَّحمة : المبشرات، والنَّاشرات، والذَّاريات، والمرسلات، وأربعة للعذاب : العقيم، والصَّرصر في البرِّ، والعاصف والقاصف في البحر.
روى أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه - : فروح الله سبحانه وتعالى ] تأتي بالرَّحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبُّوها واسألوا الله من خيرها، واستعيذوا بالله من شرِّها.
قال ابن الأعرابيِّ : النَّسيم أوَّل هبوب الريح.

فصل في بيان دلالة الآية على الوحدانية


فأما وجه الاستدلال بها على وحدانيَّة الله تعالى الصَّانع، فإنَّه صرَّفها على وجه النَّفع العظيم في الحيوان، فإنَّها مادَّة النَّفس الَّذي لو انقطع ساعةً في الحيوان، لمات.


الصفحة التالية
Icon