وقال ابن عَبَاسِ - رضي الله عنهما - : سَمِعْتُ كَعْباً، يَقُولُ : إنَّ الأرْضَ تُنْبِتُ العام نباتاً، وتُنْبِتُ نَبَاتاً عَاماً قَابِلاً غَيْرَهُ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : إنَّ البَذْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مَعَ المَطَرِ، فَيَخْرُجُ في الأَرْضِ.
فصل في الاستدلال بتسخير السحاب على وحدانية الله
في الاستدلال بتسخير السَّحاب على وحدانيَّة الصَّاع : أنَّ طبع الماء ثقيلٌ يقتضي النُّزول فكان بقاؤه في جوِّ الهواء على خلاف الطَّبع، فلا بُدَّ من قادرٍ قاهرٍ، يقهر على ذلك، فلذلك سمّضاه بالمسخَّر، وأيضاً : فإنَّه لو دام، لعظم ضرره من حيث إنَّه يستر ضوء الشَّمس، ويكثر [ الأمطار، والابتلال ]، ولو انقطع، لعظم ضرره؛ لأنَّه يفضي إلى القحط وعدم العشب، والزراعة؛ فكان تقديره بالمقدار المعلوم الذي يأتي في وقت الحاجة، ويزول عند زوال الحاجة بتقدير مقدِّرٍ قاهرٍ أيضاً؛ فإنَّه لا يقف في موضع معيَّن، بل الله تعالى يسيّره بواسطة تحريك الرِّياح إلى حيث شاء وأراد، وذلك هو التَّسخير.
روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - عن النبي ﷺ أنَّه قال :« بَيْنَمَا رَجُلٌ بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتاً مِنَ سَحَابَةٍ : اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ، فَتنَحَّى ذلك السَّحَابُ، فأفرغ ماءَهُ في جرَّةٍ، فإذا بشرجةٍ من تلك الشِّراج، وقد استوعتب ذلك الماء كلَّه، فتتبَّع الماء، فإذا رجلٌ قائمٌ في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له : يا عبد الله، ما اسمك؟ قال : فلان؛ للاسم الذي سمع من السَّحاب، فقال له : يا عبد الله، لم تَسْأَلُني عن اسمي؟ فقال : إني سمعت صوتاً من السَّحاب الذي هذا ماؤه يقول : اسق حديقة فلان لاسمك، فماذا تصنع؟ قال : أمَّا إذا قلت هذا، فإنِّي أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدَّق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً وأردُ فيها ثلثه. »
وفي روايةٍ :« وأجعل ثلثه للمساكين، والسَّائلين، وابن السَّبيل »
قوله :« يَعْقِلُونَ »، أي : يعلمون لهذه الأشياء خالقاً وصانعاً.
قال القاضي : دلت الآية على أنَّه لو كان الحقُّ يدرك بالتقليد، واتباع الآباء، الجري على الإلف والعادة، لما صَحَّ قوله :« لآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ »، وأيضاً : لو كانت المعارفُ ضروريَّةً، وحاصلةً بالإلهام، لما صَحَّ وصفُ هذه الأمُور بأنَّها آياتٌ؛ لأنَّ المعلومَ بالضَّرورة لا يحتاج في معرفته إلى الآيات.
قال وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : ثلاثة لا يدرى من أين يَجِيء : الرَّعد، والبرق، والسَّحاب.