﴿ ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [ النساء : ٧٣ ] وإذا أُشْرِبَتْ معنى التمنِّي، فهلْ هي الامتناعيَّةُ المفتقرة إلى جوابٍ، أم لا تحتاجُ إلى جوابٍ.
الصحيحُ : أنها تحتاجُ إلى جوابٍ، وهو مقدّر في الآية الكريمة تقديرُهُ تَبَرَّأْنَا ونحو ذلك، وأَمَّا مَنْ قال بأنَّ « لَو » الَّتي للتمنِّي لا جوابَ لها؛ فاستدَلَّ بقول الشَّاعر :[ الوافر ]

٨٨٥ - وَلَوْ نُبِشَ المَقَابِرُ عَنْ كُلَيْبٍ فَيُخْبَرَ بالذَّنائِبِ أَيُّ زِيرِ
وهذا لا يدلُّ فإنَّ جوابها في البيتِ بعده، وهو قوله [ الوافر ]
٨٨٦ - بِيَوْمِ الشَّعْثَمَين، لَقَرَّ عَيْناً وَكَيْفَ لِقَاءُ مَنْ تَحْتَ الْقُبُورِ
واستدلَّ أيضاً بأنَّ « أَنْ » تُفْتَحُ بعْد « لَوْ » ؛ كما تفتحُ بَعْد لَيْتَ في قوله [ الرجز ]
٨٨٧ - يَا لَيْتَ أَنَّا ضَمَّنَا سَفِينَهْ حَتَّى يَعُودُ الْبَحْرُ كَيَّنُونَهْ
وها هنا فائدة ينبغي أنْ يُنْتَبَهَ لها، وهيَ : أَنَّ النُّحاة قالُوا : كلُّ موضعٍ نُصبَ فيه المضارعُ بإضمار « أنْ بعد الفَاءِ [ إذا سقَطَتِ الفاءُ، جزم إلاَّ في النَّفسِ، ينبغي أن يزاد هذا الموضع أيضاً؛ فيقال : و » إلاَّ « في جواب التَّمَنِّي ب » لَوْ « ؛ فإنَّه ينصب المضارع فيه بإضمار » أَنْ « بعد الفاء الواقعة جواباً له، ومع ذلك، لو سَقَطَتْ هذه الفاءُ ] لم يُجزم.
قال أَبُوا حَيَّانَ والسَّبب في ذلك : أَنَّها محمولةٌ على حَرْف التمنِّي، وهو »
لَيْتَ « والجزمُ في جواب » لَيْتَ « إنما هو لتضمنها معنى الشَّرْط، أو لدلالَتها على كونه محذوفاً على اختلاف القولَيْن؛ فصارت » لَوْ « فَرَعَ الفَرْعِ، فضَعُفَ ذلك فيها.
وقيلَ :»
لَوْ « في هذه الآية الكريمة ونظَائِرِها لِما كانَ سيقعُ لِوُقُوع غيره، وليس فيها معنى التمنِّي، والفعلُ منصوب ب » أَنْ « مضمرَة؛ على تأويل عَطف اسْمٍ على اسمٍ، وهو » كَرَّة « والتقديرُ :» لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً، فنتبرَّأَ « فهو مِنْ باب قوله :[ الوافر ]
٨٨٨ - لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي ...........................
ويكون جواب »
لَوْ « محذوفاً أيضاً؛ كما تقدَّم.
وقال أبو البقاء رحمه الله تعالى :»
فَنَتَبَرَّأَ « منصوبٌ بإضمارِ » أَنْ «، تقديره :﴿ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ ﴾ فحلَّ » كرَّة « إلى قوله :» أَنْ نَرْجِعَ « ؛ لأنَّه بمعناه، وهو قريبٌ، إلاَّ أنَّ النحاة يأوّلون الفعل المنصوب بمصدرٍ؛ ليعطفُوه على الاسم قَبْله، ويتركُون الاسم على حالِهِ؛ وذلك لأنه قد يكُون اسْماً صَرِيحاً غير مَصْدر؛ نحو » لَوْلاَ زَيْدٌ وَيَخْرُج، لأَكْرَمْتُكَ « فلا يتأتَّى تأويله بحرفٍ مصدريٍّ وفعلٍ.
قولُهُ تعالى :»
كَمَا « الكافُ في موضعها نصبٌ : إِمَّا على كونها نعت مصدرٍ محذوف، أي :» تَبَرُّؤاً « وإِمَّا على الحاف مِنْ ضمير المصدر المعرَّف المحذوف أي » نتبرّأهُ، أي : التَّبَرُّؤَ، مُشَابِهاً لِتَبَرُّئِهِمْ « ؛ كما تقرَّر غير مرَّة.


الصفحة التالية
Icon