أمّا من ضمَّ العين؛ فلأنَّ الواحدة « خُطْوَة » فإذا جمعت، حرِّكت العين؛ للجمع، كما فعلت في الأسماء التي على هذا الوزن؛ نحو : غُرْفَةٍ وغَرَفاتٍ، وتحريك العين على هذا الجمع؛ للفصل بين الاسم والصِّفة؛ لأن كلَّ ما كان اسماً، جمعته بتحريك العين؛ نحو :« تَمْرَة وتَمَرَات، وغَرْفَةٍ وغَرَفاتٍ، وشَهْوَةٍ وشَهَوَاتٍ » وما كان نعتاً، جمع بسكون العين؛ نحو :« ضَخْمَةٍ وَضَخْمَاتٍ، وعَبْلَةٍ وعَبْلاَتٍ »، والخُطْوَة : من الأسماء، لا من الصفات، فتجمع بتحريك العين.
وقرأ أبو السَّمَّال « خُطَوَات » بفتحها، ونقل ابن عطيَّة، وغيره عنه : أنه قرأ :« خَطَوَات »، بفتح الخاء، والطاء، وقرأ عليٌّ وقتادة، والأعمش بضمِّها، والهمز
فأما قراءة الجمهور، والاولى من قراءتي أبي السَّمَّال، فلأن « فُعْلَة » الساكنة العين، السَّالِمَتَهَا، إذا كان اسماً، جاز في جمعها بالألف والتاء ثلاثة أوجهٍ، وهي لغاتٌ مسموعةً عن العرب : السُّكون، وهو الأصل، والإتباع، والفتح في العين، تخفيفاً.
وأما قراءة أبي السَّمَّال التي نقلها ابنُ عطيَّة، فهي جمع « خَطْوَة » بفتح الخاء، والفرق بين الخطوة بالضَّمَّ، والفتح : أنَّ المفتوح : مصدر دالًّ على المرَّة، من : خَطَا يَخْطُوا، إذا مشى، والمضموم : اسمٌ لما بين القدمين؛ كأنَّه اسم للمسافة؛ كالغرفة اسم للشيء المغترف.
وقيل : إنَّهما لغتان بمعنى واحدٍ ذكره أبُو البَقَاءِ.
وأمَّا قراءةُ عليٍّ، ففيها تأويلان :
أحدهما - وبه قال الأَخْفَشُ - : أنَّ الهمزة أصلٌ، وأنَّه من « الخَطَأ »، و « خُطُؤَات » جمع « خِطْأَة » إن سمع، وإلاَّ فتقديراً، وتفسير مجاهد إياه ب « الخَطَايَا » يؤيِّد هذا، ولكن يحتملُ أن يكون مجاهد فسَّره بالمرادف.
والثاني : أنه قلب الهمزة عن الواو؛ لأنَّها جاورة الضمّة قبلها؛ فكأنها عليها؛ لأنَّ حركة الحرف بين يديه على الصَّحيح، لا عليه.
فصل
قال ابن السَّكِّيتِ - فيما رواه عن اللِّحْيَانِيِّ - الخَطْوَة بمعنى واحدٍ، وحكى على الفرَّاء الخُطْوَة ما بين القدمين؛ كما يقال : حَثَوْتُ حُثْوَةً، والحُثْوَة : اسمٌ لما تَحَثَّيْتَ، وكذلك غَرَفْتُ غُرْفَةًن والغُرْفَة : هو الشيء المُغْتَرَفُ بالكَفِّ، فيكون المعنى : لا تتَّبعوا سبيله، ولا تسلكوا طريقه؛ لأنَّ الخُطْوَة اسم مكان.
قال الزَّجَّاج وابن قُتَيْبَة : خُطُوَاتُ الشَّيْطان طُرُقُهُ، وإن جعلت الخطوة مصدراً، فالتقدير : لا تَأَتَمُّوا به، ولا تَتَّبِعُوا أَثَرَهُ، والمعنى : أن الله تعالى، زجر المكلَّف عن تخطِّي الحلال إلى الشُّبه؛ كما زجره عن تخطِّيه إلى الحرام، وبيَّن العلَّة في هذا التحذير، وهو كونه عدوّاً مبيناً، أي : متظاهراً بالعداوة؛ وذلك لأنَّ الشيطان التزم أموراً سبعةً في العداوة :
أربعة منها في قوله تعالى :﴿ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنعام وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله ﴾ [ النساء : ١١٩ ].
وثلاثة منها في قوله :﴿ لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾