انتهى. وهو كلامٌ حسنٌ.
وجواب « لو » محذوفٌ، تقديره :« لاَتَبَعُوهُمْ » وقدره أبو البَقَاءِ :« أفكَانُوا يَتَّبِعُونَهُمْ؟ » وهي تفسير معنًى لأن « لَوْ » لا تجاب بهمزة الاستفهام، قال بعضهم : ويقال لهذه الواو أيضاً واو التَّعَجُّب دخلت عليها ألأف الاستفهام للتوبيخ.

فصل في بيان « معنى التقليد »


قال القرطبيُّ : التقليد عند العلماء :« حقيقةُ قَبُولِ قَوْلٍ بلا حُجَّةٍ » ؛ وعلى هذا فمن قبل قول النبيِّ ﷺ من غير نظرٍ في معجزته، يكون مقلِّداً، وأمَّا من نظر فيها، فلا يكون مقلِّداً.
وقيل :« هو اعتقادُ صٍحَّة فُتْيَا مَنْ لا يَعْلَم صحَّة قوله »، وهو في اللُّغة مأخوذٌ من قلادة البعير، تقول العرب : قلَّدت البعير؛ إذا جعلت في عنقه حبلاً يقاد به؛ فكأنَّ المقلِّد يجعل أمره كلَّه لمن يقوده حيث شاء؛ ولذلك قال شاعرهم :[ البسط ]
٨٩١ - وَقَلِّدُوا أَمْرَكُمْ لِلَّهِ دَرُّكُمُ ثَبْتَ الجَنَانِ بَأَمْرِ الحَرْبِ مُضْطَلِعا

فصل في المراد بالآية


والمعنى :« أَيَتَّبِعُونَ آباءَهُمْ، وإن كانوا جُهَّالاً لا يَعْقِلُون شيئاً »، لفظه عامٌّ، ومعناه الخصوص؛ لأنهم كانوا لا يعقلون كثيراً من أمور الدنيا؛ فدلَّ هذا على أنهم لا يعقلون شيئاً من الدِّين، ولا يهتدون إلى كيفيَّة اكتسابه.
وقوله « شيئاً » فيه وجهان :
أحدهما : أنه مفعول به؛ فيعمُّ جميع المعقولات؛ لأنَّها نكرةٌ في سياق النفي، ولا يجوز أن يكون المراد نفي الوحدة، فيكون المعنى : لا يعقلون شيئاً « بَلْ أَشْيَاءً من العَقْلِ » وقدَّم نفي العقل على نفي الهداية؛ لأنَّه يصدرعنه جميع التصرُّفات.
الثاني : أن ينتصب على المصدريَّة، أي :« لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً ».

فصل في تقرير هذا الجواب


في تقرير هذا الجواب وجوه :
الأوَّل : أنه يقال للمقلِّد : هل تعترف بأنَّ شرط جواز تقليد الإنسان : أن يعلم كونه مُحِقَّا، أم لا؟ فإن اعترفت بذلك، لم تعلم جواز تقليده، إلاَّ بعد أن تعلم كونه محقّاً، فكيف عرفت أنه محقٌّ؛ فإن عرفته بتقليدٍ آخر، لزم التسلسل، وإن عرفته بالعقل، فذاك كافٍ، ولا حاجة إلى التَّقليد، وإن قلت : ليس من شرط جواز تقليده : أن يعلم كونه محقّاً، فإذن : قد جوَّزت تقليده، وإن كان مبطلاً، فإذن : انت على تقليدك لا تعلم أنَّك محقٌّ، أم مبطل.
وثانيها : هب أن ذلك المتقدِّم كان عالماً بهذا إلاَّ أنَّا لو قدَّرنا أن ذلك المتقدِّم ما كان عالماً بذلك الشَّيء قطُّ، ولا اختار فيه ألبتة مذهباً، فأنت ماذا كنت تعمل؟ فعلى تقدير أنك لا تعلم ذلك المتقدِّم، [ ولا مذهبه، كان لا بُدَ من العُدُول إلى النَّظَر فكذا ههنا.


الصفحة التالية
Icon