قال الأصْمعِيُّ : أصله رفع لاصَّوت، وكلُّ رافعٍ صوته، فهو مهلٌّ. ومنه الهلالُ؛ لأنَّه يصرخ عند رؤيته، واستهلَّ الصبُّح قال ابن أحمر :[ السريع ]
٩٠١ - يُهِلُّ بِالغَرْقَدِ غَوَّاصُهَا | كَمَا يُهِلُّ الرَّاكِبُ المُعْتَمِرْ |
٩٠٢ - أَوْ دُرَّةٍ صَدَفِيَّةٍ غَوَّاصُهَا | بَهِجٌ مَتَى يَرَهَا يُهِلَّ وَيَسْجُدِ |
٩٠٣ - تَضْحَكُ الضَّبعُ لِقَتْلَى هُذَيْلٍ | وَتَرَى الذِّئْبَ لَهَا يَسْتَهِلُّ |
قال ابن الخطيب - رحمه الله - : وهذاالقول أولى؛ لأنَّه أشدُّ مطابقةً للَّفظ.
قال العلماء : لو ذبح مسلم ذبيحةً، وقصد بذبحها التقرُّب إلى [ غير ] الله تعالى، صار مرتدّاً، وذبيحته ذبيحة مرتدٍّ، وهذا الحكم في ذبائح غير أهل الكتاب.
أمَّا ذبائح أهل الكتاب، فتحلُّ لنا، لقوله تبارك وتعالى :﴿ وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ ﴾ [ المائدة : ٥ ].
فصل في اختلافهم في اقتضاء تحريم الأعيان الإجمال
اختلفوا في التَّحريم المضاف إلى الأعيان، [ هل يقتضي الإجمال؟
فقال الكَرْخيُّ : إنَّه يقتضي الإجمال، لأنَّ الأعيان ] لا يمكن وصفها بالحل والحرمة فلا بد من صرفها إلى فعل من الأفعال فيها، وهو غير محرَّم، فلا بُدَّ من صرف هذا التحريم إلى فعل خاصٍّ، وليس بعض الأفعال أولى من بعضٍ؛ فوجب صيرورة الآية الكريمة مجملةً.
وأمَّا أكثر العلماء، فقالوا : إنَّها ليست بمجلةٍ، بل هذه اللفظة تفيد في العرف حرمة التصرُّف؛ قياساً على هذه الأجسام؛ كما أنَّ الذوات لا تملك، وإنَّما تُمْلَكُ التصرُّفات فيها، فإذا قيل :« فلانٌ يَمْلِكُ جاريةً »، فهم كلُّ أحدٍ أنه يملك التصرُّف فيها؛ فكذا هاهنا.
فإن قيل : لم لا يجوز تخصيص هذا التَّحريم بالأكل؛ لأنَّه المتعارف من تحريم الميتة، ولأنَّه ورد عقيب قوله :﴿ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٧٢ ]، ولقوله - ﷺ - في خبر شاة ميمونة :« إِنَّمَا حُرِّمَ مِنَ المَيْتَةِ أَكْلُهُا »
فالجواب عن الأوَّل : لا نسلِّم أن المتعارف من تحريم الميتة تحريم الأكل.
وعن الثَّاني : بأنَّ هذه الآية الكريمة مسألةٌ بنفسها؛ فلا يجب قصرها على ما تقدَّم، بل يجب إجراؤها على ظاهرها.