روى أبو البختي قالك دخل علي رضي الله عنه المسجد، فإذا رجل يخوف الناس؛ فقال : ما هذا؟ قالوا : رجل يذكر الناس؛ فقال : ليس برجل يذكر الناس! لكنه يقول : أنا فلان ابن فلان فاعرفوني، فأرسل إليه فقال : أتعرف الناسخ من المنسوخ؟! فقال : لا؛ قال : فأخرج من مسجدنا ولا تُذكِّر فيه.
وفي رواية أخرى : أَعَلِمْتَ الناسخ والمنسووخ؟ قال : لا؛ قال : قد هلكت وأهلكت!.
ومثله عن ابن عباس رضى الله عنهما.
فصل في أن للناسخ حقيقة هو الله
اعلم أن الناسخ في الحققية هو الله تعالى، وسمي الخطاب الشرعي ناسخاً تجوزاً واحتجوا على وقوع النسخ في القرآن بوجوه :
أحدها : هذه الآية.
وأجاب عنها أبو مسلم بوجوه :
الأول : أن المراد بالآيات المنسوخة هي الشرائع التي في الكتب القديمة من التوراة والإنجيل، كالسَّبْت، والصلاة إلى المشرق والمغرب مما وضعه الله تعالى وتعبّدنا بغيره، فإن اليهود والنصارى كانوا يقولون : لا تأمنوا إلا لمن تبع دينكم، فأبطل الله عليهم ذلك بهذه الآية.
الوجه الثاني : المراد من النسخ نَقْلهُ من اللوح المحفوظ، [ وتحويله عنه ] إلى سائر الكتب اوهو كما يقال : نسخت الكتاب.
الوجه الثالث : أنا بينا أن هذه الآية لا تدلّ على وقوع النسخ، بل على أنه لو وقع النسخ لوقع إلى خير.
[ ومن الناس من أجاب عن الاعتراض ] الأول بأن الآية إذا أطلقت، فالمراد بها آيات القرآن؛ لأنه هو المعهود عندنا.
وعن الثاني بأن نقل القرآن من اللوح المحفوظ لا يختصّ ببعض القرآن، وهذا النسخ مختص ببعضه.
ولقائل أن يقول على الأول : لا نسلم أن لفظ الآية مختص بالقرآن، بل هو عام في جميع الدلائل.
وعلى الثاني لا نسلم أن النسخ المذكور في الآية مختص ببعض القرآن، بل التقدير والله أعلم : ما ننسخ من اللوح المحفوظ، فإنا نأتي بعده بما هو خير منه.
الحجة الثانيك [ للقائلين بوقوع النسخ في القرآن ] أن الله تعالى أمر المرأة المتوفى عنها زوجها بالاعتدداد حولاً كاملاً، وذلك في قوله :﴿ والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى الحول ﴾ [ البقرة : ٢٤٠ ] ثم نسخ ذلك بأربعة أشره وعشر، كما قال ﴿ والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ﴾ [ البقرة : ٢٣٤ ].
قال أبو مسلمك الاعتداد بالحَوْل ما زال بالكلية؛ لأنها لو كانت حاملاً ومدة حملها حول كامل لكانت عدتها حولاً كاملاً، وإذا بقي هذا الحكم في بعض الصور كان ذلك تخصيصاً لا ناسخاً.
والجواب أن مدة عدة الحمل تنقضي بوضع الحمل، سواء حصل وضع الحمل بِسَنَةٍ أو أقل أو أكثر، فجعل السّنة العدة يكون زائلاً بالكلية.
الحجة الثالثةك أمر الله بتقديم الصدقة بين يدي نجوى الرسول بقوله تعالى ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ﴾