وقوله ﴿ فِي البأسآء والضراء ﴾ : قال ابن عبَّاس : يريد الفقر بقوله :« البَأْسَاءِ »، والمرَضَ بقوله :« وَالضَّرَّاءِ »، وفيها قولان :
أحدهما : وهو المشهور أنَّهما اسمان مشتقَّان من البؤس والضُّرَّ وألفهما للتأنيث، فهما اسمان على « فَعْلاَء » ولا « أفْعَل » لهما؛ لأنَّهما ليسا بنعتين.
والثاني : أنهما وصفن قائمان مقام موصوف، والبؤس، والبأْساء : الفقر؛ يقال بئس يبأس، إذا افتقر؛ قال الشاعر :[ الطويل ]

٩١٧ - وَلَمْ يَكُ في بُؤْسٍ إذَا بَاتَ لَيْلَةً يُنَاغِي غَزَالاً سَاجِيَ الطَّرْفِ أَكْحَلاَ
قوله :« وَحِينَ البَأْس » منصوب بالصَّابِرِينَ، [ أي ] : الذين صَبَرُوا وقْتَ الشِّدَّة، والبأْسُ : شدَّة القتال خاصَّة، بؤس الرَّجل، أي : شجع. قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : يريد القتال في سبيل الله، وأصل البأس في اللغة : الشِّدَّة؛ يقال : لا بأس عليك في هذا، أي : لا شدَّة و ﴿ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ ﴾ [ الأعراف : ١٦٥ ] أي : شديد، ثم يسمَّى الحرب بأساً، لما فيه من الشِّدَّة، والعذاب يسمَّى بأساً؛ لشدَّته، قال تبارك وتعالى :﴿ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ﴾ [ غافر : ٨٤ ] ﴿ فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ ﴾ [ الأنبياء : ١٢ ] ﴿ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله إِن جَآءَنَا ﴾ [ غافر : ٢٩ ].
قوله :﴿ أولئك الذين صَدَقُوآ ﴾ مبتدأ وخبر، وأتى بخبر « أُولَئِكَ » الأولى موصولاً بصلةٍ، وهي فعلٌ ماضٍ؛ لتحقُّ اتصافهم به، وأن ذلك قد وقع منهم، واستقرَّ، وأتى بخبر الثانية بموصولٍ صلته اسم فاعلٍ، ليدَّ على الثبوت، وأنه ليس متجدِّداً، بل صار كالسَّجيَّة لهم، وأيضاً : فلو أتى به فعلاً ماضياً، لما حسن وقوه فاصلةً.
قال الواحدي - رحمه الله - : إن الواوات في الأَوْصَاف في هذه الآية للجمع، فمن شرائطِ البِرِّ، وتمام شَرْط البَارِّ : أن تجتمع فيه هذه الأوصاف، ومن قام بواحدٍ منها، لم يستحقَّ الوصف بالبِرِّ فلا ينبغي أن يظن الإنسان أن الموفي بعهده أن يكون من جملة من قام بالبِرِّ، وكذا الصابر في البأساء، بل لا يكون قائماً بالبِرِّ إلاَّ عند استجماع هذه الخصال، ولذلك قال بعضهم : هذه الصفة خاصَّة للأنبياء؛ لأن غيرهم لا تجتمع فيه هذه الأوصاف كلُّها.
وقال آخرون : هي عامَّة في جميع المؤمنين، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon