الوجه الثاني : من بيان فائدَة التَّخصيص : نَقَلهُ محمَّد بنُ جَرِيرٍ، عن عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - والحسَن البصرِّ : أنَّ هذه الصُّور هي التي يكْتَفي فيها بالقصاصِ، بل لا بُدَّ من التراجع، إلاَّ أَنَّ أَكْثَرَ المحقِّقين زعم أنَّ هذا النَّقل لم يصحَّ عن عليٍّ - رضي الله عنه - وهو أيضاً ضعيفٌ عند النَّظَر لأَنَّه قد ثبت أَنَّ الجماعَةَ تُقْتَل بالواحِدِ، ولا تراجع، فكذلك يُقْتَل الذَّكَر بالأُنْثَى، ولا تَرَاجُع.
قوله « فَمَنْ عُفِيَ » يجوز في « مَنْ » وجهان :
أحدهما : أن تكون شرطيَّةً.
والثاني : أن تكون موصولةً، وعلى كلا التقديرين، فموضعها رفعٌ بالابتداء؛ وعلى الأَوَّل : يكون « عُفِيَ » في محلِّ جزم بالشَّرط؛ وعلى الثَّاني : لا محلَّ له، وتكون الفاء واجبةً في قوله :« فَاتِّبَاعٌ » على الأوَّل، ومحلُّها وما بعدها الجَزم وجائزةٌ في الثَّاني، ومحلُّها وما بعدها الرفع على الخبر، والظاهر أَنَّ « مَنْ » هو القاتِلُ، والضمير في « لَهُ وأخيه » عائدٌ على « مَنْ » و « شيء » هو القائِمُ مقام الفاعل، والمرادُ به المصدر، وبني « عُفِيَ » للمفعول، وإِنْ كان قاصراً؛ لأن القاصر يتعدَّى للمصدر؛ كقوله تعالى :﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ [ الحاقة : ١٣ ]، والأخ هو المقتولُ، أو وليُّ الدم، وسمَّاه أخاً للقاتِل؛ استعطافاً علَيْه، وهذا المصدر القائمُ مقام الفاعل المرادُ به الدَّمُ المعفُوُّ عنه، و « عُفِيَ » يتعدّى إلى الجاني، وإلى الجناية ب « عَنْ » ؛ تقول :« عَفَوْتُ عَنْ زَيْدٍ، وعَفَوْتُ عَنْ ذَنْبِ زَيْدٍ » فإذا عدي إليهما معاً، تعدَّى إلى الجاني ب « اللام »، وإلى الجناية ب « عَنْ » ؛ تقول « عَفَوْتُ لِزَيْدٍ عَنْ ذَنْبِهِ »، والآية من هذا الباب، أي :« فمَنْ عُفِيَ له عَنْ جنايتِهِ » وقيل :« مَنْ » هو وليُّ أي مَنْ جُعِلَ له من دم أخيهِ بدلُ الدمِ، وهو القِصَاص، أو الدِّيَةُ، والمرادُ ب « شَيْءٌ » حينئذٍ : ذلك المستَحَقُّ، والمرادُ ب « الأخ » المقتولُ، ويحتمل أنْ يرادَ علَى هذا القول أيضاً : القاتِلُ، ويراد بالشيءِ الديةُ، و « عُفِيَ » بمعنى :[ « يُسِّرَ » على هذين القولَيْن، وقيل : بمعنى « تُرِكَ ».


الصفحة التالية
Icon