الثالث : أن يكُونَ مبتدأً محذوفَ الخبر، فمنهم : مَنْ قَدَّرَهُ متقدِّماً عليه، أي :« فعلَيْهِ اتباعٌ » ومنهم : مَنْ قدَّره متأخِّراً عنه، أي :« فَاتِّباعٌ بالمَعْرُوفِ علَيْه ».
قولُهُ « بِالمَعْرُوفِ » فيه ثلاةُ أوجُهٍ :
أحدها : أن يتعلَّق ب « اتِّبَاعٌ » فيكون منصوبَ المحلِّ.
الثاني : أن يكونَ وصْفاً لقوله « اتِّبَاعٌ » فيتعلَّق بمحذوف ويكون محلُّه الرفْعَ.
الثاللث : أَنْ يكون في محلِّ نصب على الحال مِنَ الهاء المحذُوفة، تقديرُهُ :« فعلَيْهِ اتِّباعُهُ عادلاً » والعاملُ في الحالِ معْنَى الاسْتِقْرار.
قولُهُ « وَأدَاء إِلَيْهِ بإحْسَانٍ » في رفعه أربعةُ أوجُه، الثلاثة المقولةُ في قوله : فاتِّبَاعٌ؛ لأنَّه معطوف علَيْه.
[ والرابع : أنْ يكونَ مبتدأً خبره الجارُّ والمجرورُ بَعْده، وهو « بإِحْسَانٍ »، وهو بعيدٌ، و « إِلَيْهِ » في محلِّ نصْبٍ؛ لتعلُّقِهِ ب « أداءٌ »، ويجوز أن يكونَ في محلِّ رفْع؛ صفةً ل « أداءٌ » فيتعلَّق بمحذوفٍ، أي : و « أَدَاءٌ كَائِنٌ إلَيْهِ ».
و « بِإِحْسَانٍ » فيه أربعةُ أوجهٍ : الثلاثة المقولة في « بِالمَعْرُوفِ » ].
والرابع : أَنْ يكون خبر الأداء، كما تقدَّم في الوجه الرابع من رفع « أَدَاءٌ ». والهاء في « إِلَيْهِ »، تعود إلى العافي، وإنْ لم يَجْرِ له ذِكٌْ، لأَنَّ « عَفَا » يستلزمُ عافياً، فهو من باب تَفْسِير الضمير بمصاحب بوجْهٍ ما، ومنه ﴿ حتى تَوَارَتْ بالحجاب ﴾ [ ص : ٣٢ ] أي : الشمس؛ لأن في ذكر « العَشِيِّ » دلالةً عليها؛ ومثله :[ الطويل ]

٩١٨ - فَإِنَّكَ وَالتَّأْبِينَ عُرْوَةَ بَعْدَمَا دَعَاكَ وَأَيْدينَا إِلَيْهِ شَوَارعُ
لَكَّالرَّجُلِ الْحَادِي وَقَدْ تَلَعَ الضُّحَى وَطَيْرُ المَنَايَا فَوْقَهُنَّ أَوَاقِعُ
فالضميرُ في « فَوْقَهُنَّ » للإِبِلِ؛ لدلالة لَفْظ « الحَادِي » عليها؛ لإِنَّهَا تصاحبُهُ بوجه مَّا.

فصل


قال ابنُ عبَّاس، والحَسَنُ وقتادةُ، ومجاهد : على العَافِي الاتباعُ بالمَعْروف، وعلى المَعْفُوِّ الأَدَاء إِلَيْه بإحسان.
وقيل هما على المَعْفُوِّ عنه، فإنَّه يُتْبع عفو العافِي بمعروفٍ، فهو أَداءٌ المعروفِ إليه بإحسان، والاتباعُ بالمعروف : ألاَّ يشتدَّ في المطالبة، بَلْ يجري فيها على العادَةِ المألُوفَة فإنْ كان مُعْسِراً، أنْظَرَه، وإن كان واجداً لغَيْر المالِن فلا يطالبه بزيادة على قدر الحَقِّ، وإن كان واحداً لغير المال الواجبِ، فيمهله إلى أن يبيع، وأن يستبدل وألاَّ يمنعه تقديم الأهمِّ من الواجبات، فأَمَّا الداء إلَيه بإحسان فالمراد به : ألاَّ يَدَّعِيَ الإِعدامَ في حال الإِمكانِ، ولا يؤخِّره مع الوجُود، ولا يقدِّم ما ليس بواجِبٍ عليه، وأن يؤدي المالَ ببشْرٍ، وطلاقةٍ، وقولٍ جميلٍ.
ومذْهبُ أكثر العُلَمَاءِ، والصحابةِ، والتابعين : أّنَّ وليَّ الدم، إِذَا عَفَا عن القصاصِ على الدِّية، فله أَخْذُ الدية، وإِنْ لم يرْضَ القَاتِلُ.
وقال الحَسَنُ، والنَّخَعِيُّ، وأصحاب الرأي : لا دِيَةَ له، إلاَّ برضى القاتل.
حجَّة القول الأَوَّل : قوله - ﷺ - :« مَنْ قُتِلَ له قَتِيل، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَقْتُلَ وَإِمَّا أَنْ يفدِي ».


الصفحة التالية
Icon