قالت المعتزلة : هذه الآيةُ دالَّة على أنه تعالى لا يريدُ بهم الكُفر فيصيرون إلى النَّار، فلو خلق فيهم ذلك الكُفر، لم يكن لائقاً به أنْ يقول ﴿ يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر ﴾ وجوابه : أنه معارضٌ بمسألة العلم.
قوله :﴿ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ ﴾ في هذه اللام ثلاثةُ أقوال :
أحدها : أنها زائدةُ في المفعول به؛ كالتي في قولك : ضَرَبْتُ لِزَيْدٍ، و « أَنْ » مُقَدَّرةً بعدها، تقديرهُ :﴿ وَيُرِيدُ أَنْ تُكْمِلُوا العِدَّةَ ﴾، أي : تكميل، فهو معطوفٌ على اليُسْر؛ ونحوهُ قولُ أبي صَخْرٍ :[ الطويل ]

٩٤٥ - أُرِيدَ لاأَنسَى ذِكرَهَا فَكَأَنَّمَا تَخَيَّلُ لِي لَيْلَى بِكُلِّ طَرِيقِ
وهذا قولُ ابن عطية والزمخشري وأبي البقاء وإنَّما حَسُنَتْ زيادةُ هذه اللام في المَفعولِ - وإنْ كان ذلك إنَّما يكونُ إذا كان العاملُ فَرْعاً، أو تقدَّمَ المعمولُ - من حيث إنه لمَّا طال الفصلُ بين الفعلِ وبين ما عُطِفَ على مفعوله، ضَعُفَ بذلك تَعَدِّيه إليه، فَعُدِّيَ بزيادة اللام؛ قياساً لِضَعْفه بطولِ الفصلِ ضَعْفِه بالتقديم.
الثاني : إنَّها لامُ التعليل، وليست بزائدةٍ، واختلف القائلون بذلك على ستةِ أوجه :
أحدها : أن يكونَ بعد الواوِ فعلٌ محذوفٌ وهو المُعَلَّل، تقدير :« وَلِتُكْمِلُوا العِدّضةَ فَعَلَ هَذَا »، وهو قولُ الفراء. الثاني - وقاله الزَّجَّاج - أن تكون معطوفةً على علَّة محذوفةٍ حُذِف معلولُها أيضاً تقديره : فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ؛ ليسهّل عليكم، ولِتُكْمِلُوا.
الثالث : أن يكونَ الفعلُ المُعَلَّلُ مقَّراً بعد هذه العلةِ تقديرُه :« ولِتُكْمِلُوا العِدَّةَ رَخَّصَ لكُمْْ فِي ذَلِكَ » ونسبه ابن عطيَّة لبعض الكوفيين.
الرابع : أنَّ الواو زائدةٌ، تقديرُه : يُرِيدُ اللَّه بِكُمْ كَذَا لِتُكْمِلُوا، وهذا ضَعِيفٌ جِداً.
الخامس : أنْ يكونَ الفعلُ المُعَلَّلُ مقدَّراً بعد قوله :« وَلَعَلَّكُمْ تُشْكُرُونَ »، تقديرُه : شَرَعَ ذلك، قاله الزمخشري، وهذا نصُّ كلامه قال :« شَرَعَ ذَلِكَ، يعني جُملة ما ذلك من أمر الشاهد بصَوم الشَّهر، وأمر المُرَخَّص لهُ بمراعاة عدَّة ما أفطر فيه، ومن الترخيص في إباحة الفطرِن فقولهُ :» وَلِتُكْمِلُوا « علَّةُ الأمر بمراعاة العدَّةن و » لِتُكَبِّرُوا « علةُ ما عُلِمَ من كيفية القضاءِ والخروج عن عُهْدةٍ الفِطْر و » لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ « علةُ الترخيص ولاتيسير، وهذا نوعٌ من اللَّفِّ لطيفُ المَسْلَكِ، لا يهتدي إلى تبيُّنه إلا النُقَّابُ من علماء البَيَانِ ».
السادس : أن تكون الواوُ عاطفةً على علَّةٍ محذوفةٍ، التقديرُ : لتعملوا ما تعملو، ، ولِتُكْمِلُوا، قاله الزمخشريُّ؛ وعلى هذا، فالمعلَّلُ هو إرادةُ التيسير
واختصارُ هذه الأوجه : أنْ تكون هذه اللامُ علةً لمحذوفٍ : إمَّا قبلها، وإمَّا بعدها، أو تكونَ علةً للفعل المذكور قبلها، وهو « يُرِيدُ ». القول الثالث : أنهَّا لام الأمر وتكونُ الواوُ قد عطفت جملةً أمريةً على جملةٍ خبريَّةٍ؛ فعلى هذا يكونُ من بابِ عطفِ الجملِ؛ وعلى ما قبلَهك يكونُ من عطف المفردات؛ كما تقدَّم تقريرُه، وهذا قولُ ابن عطيَّة، وضَعَّفه أبو حيان بوجهين :
أحدهما : أَنَّ أمرَ المخاطبِ بالمضارع مع لامِهِ لغةٌ قليلةٌ، نحو : لِتَقُمْ يَا زَيْدُ، وقد قرئ شَاذَاً :


الصفحة التالية
Icon