٩٥٣ - وَيُرَيْنَ مِنْ أَنَسِ الْحَدِيثِ زَوَانِياً | وَلَهُنَّ عَنْ رَفَثِ الرِّجَالِ نِفَارُ |
٩٥٤ - فَظِلْنَا هَنَالِكَ فِي نِعْمَةٍ | وَكُلِّ اللَّذَاذَةِ غَيْرَ الرَّفَثْ |
٩٥٥ - وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَاهَمِيسَا | إِنْ يَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسَا |
فثبت أنَّ الأصل في الرَّفَثِ هو قول الفحش، ثم جعل ذلك اسماً لما يتكلَّم به عند النِّسَاء من معاني الإفضاء، ثم جعل كنايةً عن الجماع، وعن توابعه.
فإن قيل : لِمَ كَنَّى هاهنا عن الجماع بلفظ « الرَّفَث » الدَّالِّ على معنى القبح بخلاف قوله ﴿ وَقَدْ أفضى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ ﴾ [ النساء : ٢١ ] وقوله تعالى :﴿ فَلَماَّ تَغَشَّاهَا ﴾ [ الأعراف : ١٨٩ ]، وقوله عزَّ وجلَّ :﴿ أَوْ لاَمَسْتُمُ النسآء ﴾ [ النساء : ٤٣ ] وقوله تعالى :﴿ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ﴾ [ النساء : ٢٣ ]، وقوله عزَّ وجلَّ :﴿ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٣٧ ] وقوله تعالى :﴿ فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ ﴾ [ النساء : ٢٤ ] ﴿ وَلاَ تَقْرَبُوهَنَّ ﴾ [ البقرة : ٢٢٢ ].
فالجواب : أنَّ السبب فيه استهجان ما وجد منهم قبل الإجابة؛ كما سمَّاه اختياناً لأنفسهم؛ قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - إنَّ الله سبحانه وتعالى حَيِيٌّ كريمٌ يُكَنِّي، كُلُّ ما ذكر في القرآن من المباشرة والملامسة والإفضاء والدُّخول والرَّفث، فإنما عنى به الجماع.
فصل في بيان سبب النزول
ذكروا في سبب نزول هذه الآية : أنه كان في أوَّل الشَّريعة يحلُّ الأكل والشُّرب والجِماع ليلة الصِّيامن ما لم يرقُدِ الرجل ويصلِّي العشاء الأخيرة، فإن فعل أحدهما : حرم عليه هذه الأشياء إلى اللَّيلة الآتية، فجاء رجُلٌ من الأنصار عشيَّةً، وقد أجهده الصَّوم، واختلفوا في اسمه؛ فقال معاذٌ : اسمه أبو صرمة بن قيس بن صرمة، وقال عكرمة : أبو قيس بن صرمة، وقيل صرمة بن أنس.
فسأله النبيُّ ﷺ وشرَّف وكرَّم وبجَّل وعظَّم عن سبب ضَعْفِهِ، فقال : يا رسول الله، عملت في النَّخل نهاري أَجْمَعَ : حتَّى أَمْسَيْتُ، فَأَتَيْتُ أَهْلِي لتطعمني شَيْئاً، فَأَبْطَأتْ، فنمت فَأَيْقَظُونِي، وَقَدْ حَرُمَ الأَكْلُ؛ فَقَامَ عُمَرُ - رضي الله عنه - فقال : يا رسول الله أنِّيأعتذر إلى الله وإليك من نفس هذه الخاطية؛ إنِّي رجعت إلى أهلي بعد ما صلِّيت العشاء، فوجدت رائحةً طيِّبةً فسوَّلت لي نفس، فجامعت أهلي، فقال النَّبيُّ ﷺ وشرَّف، وكرَّم ومجَّد وبجَّل، وعظَّم : ما كنت جديراً بذلك يا عمر، فقام رجالٌ، فاعترفوا بمثله، فنزل قوله تعالى :﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام الرفث إلى نِسَآئِكُمْ ﴾.
فصل ذهب جمهور المفسِّرين أنَّه كان في أوَّل شرعنا، إذا أفطر الصَّائم، حلَّ له الأكل والشُّرب والجماع، ما لم ينم أو يُصَلِّ العشاء الآخرة، فإذا فعل أحدهما، حرم عليه هذه الأشياء، ثم إنَّ الله تعالى، نسخ ذلك بهذه الآية الكريمة.
وقال أبو مسلم : هذه الحرمة ما كانت ثابتةً في شرعنا ألبتَّة، بل كانت ثابتةً في شرع النصارى، فنسخ الله تعالى بهذه الآية ما كان ثابتاً في شرعهم.