وقرأ ابن عباس - رضي الله عنهما- :« وَاتَّبِعُوا » من « الاتّباع » وتروى عن معاوية بن قرة والحسن البصريِّ، وفسَّروا ﴿ مَا كَتَبَ الله ﴾ بليلةِ القدر، أي اتَّبِعوا ثوابها، قال الزمخشريُّ :« وهو قريبٌ مِنْ بِدَعِ التَّفَاسِيرِ ».
وقرأ الأعمش « وَابْغُوا ».
فصل
دلَّت الآية على أنَّ الأمر بعد الحظر يقتضي الإباحة، ومن قال بأنَّ مطلق الأمر للوجوب، قالوا : إنما تركنا الظَّاهر هنا للإجماع، وفي المباشرة قولان :
أحدهما - وهو قول الجمهور : أنَّها الجماع، سمِّي بهذا الاسم؛ لتلاصق البَشَرَتَيْنِ.
والثاني - قول الأصمِّ : أنه محمولٌ على المباشرات، ولم يقصره على الجماع، وهذا هو الأقرب إلى لفظ المباشرة، لأنها مشتقَّةٌ من تلاصق البَشَرَتَيْن، إلاَّ أنَّهم اتفقوا على أنَّ المراد بالمباشرة في هذه الآية الكريمة الجماع؛ لأنَّ السبب في هذه الرخصة كان وقوع الجماع من القوم، وأمَّا اختلافهم في قوله تعالى :﴿ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المساجد ﴾ فحمله بعضهم على كلِّ المباشرات؛ لأنَّ المعتكف، لمَّا مُنِعَ من الجماع، فلا بُدَّ وأن يمنع مما دونه.
فصل
في قوله تعالى :﴿ وابتغوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ ﴾ وجوهٌ :
أحدها : الولد، أي : لا تباشِرُوا لقضاءِ الشَّهوة وحدها؛ ولكن لابتغاء ما وضع له النِّكاح من التَّناسل.
قال - عليه الصَّلاة والسَّلام- :« تَنَاكَحُوا تَنَاسَلثوا؛ تَكْثُرُوا »
والثاني : أنَّه نهيٌّ عن العزل.
الثالث : ابتغوا المحلَّ الذي كتبه الله لكم وحلَّله؛ ونظيره ﴿ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله ﴾ [ البقرة : ٢٢٢ ].
الرابع : أنه للتأكيد، تقديره : الآن بَاشرُوهُنَّ وابْتغوا هذه المباشرة التي كتبها الله لكم بعد أن كانت محرَّمةً عليكم.
الخامس : قال أبو مُسْلَمٍ : فالآنَ باشرُوهُنَّ، وابتغوا هذه المباشرة التي ان كان الله كتبها لكم، وإن كنتم تظنونها محرَّمة عليكم.
السادس : أن مباشرة الزوجة قد تحرم في بعض الأوقات؛ بسبب الحيض والنِّفاس والعِدَّة والرِّدَّة؛ فقوله :﴿ وابتغوا مَا كَتَبَ الله ﴾ يعني : لا تباشِرُوهنَّ إلاَّ في الأوقاتِ المأذونِ لكم فيها.
السابع :« فَالآنَّ بَاشِرُوهُنَّ » إذن في المباشرة، وقوله :﴿ وابتغوا مَا كَتَبَ الله ﴾ [ يعني : لا تبتغوا هذه المباشرة إلاَّ من الزَّوجة والمملوكة ] بقوله :﴿ إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ [ المؤمنون : ٦ ].
الثامن : قال معاذ بن جبلٍ، وابن عبَّاسٍ في رواية أبي الجوزاء : يعني اطلبوا ليلةَ القدر، وما كتب الله لكم من الثَّواب فيها إن وجدتُمُوها.
وقال ابن عبَّاس : ما كتب الله لنا هو القرآن.
قال الزَّجَّاج : أي : ابتغوا القرآ بما أبيح لكم فيه، وأمرتم به. وقيل : ابتغوا الرخصة والتوسعة.
قال قتادة : وقيل : ابتغوا ما كتب الله لكم من الإماء والزَّوجات.
فصل في معاني « كَتَبَ »
في « كَتَبَ » وجوه :
أحدها : أنَّها هنا بمعنى جَعَل؛ كقوله