قوله :﴿ بَيْنَكُ ﴾ : في هذا الظرف وجهان :
أحدهما : أن يتعلَّق ب « تَأْكُلُوا » بمعنى : لا تَتَنَاقَلُوهَا فيما بينكم بالأكل.
والثاني : أنه متعلِّق بمحذوفٍ؛ لأنه حالٌ من « أمْوَالِكُمْ » أي : لا تأْكُلُوهَا كائنةً بينكم، وقدَّره أبو البقاء أيضاً بكائنةٍ بينكم، أو دائرةً بينكم؛ وهو في المعنى كقوله :﴿ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٨٢ ]، وفي تقدير « دَائِرَةً » - وهو كونٌ مقيَّدٌ - نظرٌ، إلاَّ أن يقال : دلَّت الحال عليه.
قوله :« بالبَاطِلِ » فيه وجهان :
أحدهما : تعلُّقه بالفعل، أي : لا تأخذوها بالسبب الباطل.
الثاني : أن يكون حالاً؛ فيتعلَّق بمحذوفٍ، ولكن في صاحبها احتمالان.
وأحدهما : أه المال؛ كأنَّ المعنى : لا تَأْكُلُوهَا ملتبسَةً بالباطِل.
والثاني : أن يكون الضمير في « تَأْكُلُوا » كأنَّ المعنى : لا تَأْكُلُوها مُبْطِلِينَ، أي : مُلْتَبِسينَ بالبَاطِلِ.
فصل في سبب نزول الآية
قيل : نزلت هذه الآية في امرئ القيس بن عابس الكندي، ادعي عليه ربيعة بن عَبْدَان الحَضْرَميُّ عند رسول الله ﷺ أرضاً، فقال : إنه غلبني عليها، فقال النَّبيُّ - صلوات الله وسلامه عليه دائماً أبداً - للحضرميِّ :« أَلَكَ بَيِّنَةٌ » ؟ قال : لا؛ قال :« فَلَكَ يَمِينُهُ » فانطلق ليحلف، فقال رسول الله ﷺ « أَمَا إنْ يَحْلِفْ عَلَى مَالِهِ، ليَأْكُلَهُ ظُلْماً، ليَلْقَيَنَّ اللَّهَ، وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ » فأنزل الله ﴿ وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل ﴾ أي : لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل، أي : من غير الوجه الذي أباحه الله، و « البَاطِلُ » في اللغة الذَّاهِبُ الزائل، يقال : بَطَل الشَّيْءُ بُطُولاً وبُطْلاناً، فهو باطلٌ، وجمع الباطل : بَوَاطِلُ، وأَبَاطِيلُ جمع أُبْطُولَة، يقال : بَطَل الأجير يَبْطُل بطالةً، إذا تعطَّل، وتَبَطَّل : اتَّبع اللَّهو، وأبْطَلَ فلانٌ، إذا جاء بالبَاطِل، وقوله تعالى :﴿ لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن ﴾ [ فصلت : ٤٢ ] قال قتادة : هو إبليسُ؛ لا يزيد في القرآن، ولا ينقص، وقوله عزَّ وجلَّ ﴿ وَيَمْحُ الله الباطل ﴾ [ الشورى : ٢٤ ] يعني : الشِّرك، والبَطَلَةُ، والبَطَلَةُ : السَّحَرةُ.
قوله :« لاَ تَأْكُلُوا » ليس المراد منه الأكل خاصَّة؛ لأنَّ غير الأكل من التصرّفات؛ كالأكل في هذا الباب، لكنَّه لمَّا كان المقصود الأعظم من المال، إنَّما هو الأكل، وصار العرف فيمن أنفق ماله، أن يقالك أكله؛ فلهذا عبَّر عنه بالأكل.
فصل فيما يحل ويحرم من الأموال
قال الغزاليُّ - رحمه الله تعالى - في كتاب « الإحياء » : المال إنَّما يحرم إما لمعنًى في عينه، أو لخللٍ في جهة اكتسابه.
فالقسم الأول : الحرام لمعنىً في عينه.
اعلم أنَ الأموال : إمَّا أن تكون من المعادن، أو من النبات، أو من الحيوانات.
أما المعادن وهي أجزاء الأرض فلا يحرم شيءٌ منها، إلاَّ من حيث يضر بالأكل وبعضها ما يجري مجرى السَّمِّ.