وثالثها : أن قصة الأعرابي، والحديثين اللذين بعده، ذكر فيهم الحجَّ، وليس فيها بيان تفصيل الحج، وقد بينَّا أن العمرة حجٌّ، فلا تنافي وجوب العمرة، وأمَّا حديث ابن المنكدر، فرواه الحجاج بن أرطاة؛ وهو ضعيفٌ.
فصل
واتفقت الأمة على أنَّه يجوز أداء الحجِّ والعمرة على ثلاثة أوجهٍ : الإفراد، والتمتع، والقران.
فالإفراد : أن يُحرم بالحجِّ منفرداً، ثم بعد الفراغ منه، يعتمر من أدنى الحلِّ.
والتمتع : أن يعتمر في أشهر الحجِّ، فإذا فرغ من العمرة، يحرم بالحجِّ من مكة المشرقة في عامه.
والقران : أن يحرم بالحج والمرة معاً، أو يحرم بالعمرة، ثم يدخل عليها الحجَّ قبل أن يفتتح الطواف؛ فيصير قارناً، ولو أحرم بالحج، ثم أدخل عليه العمرة، لم ينعقد غحرامه بالعمرة.
واختلفوا في أيِّ هذه الثَّلاثة أفضل؟ وتفاصيل هذه الأقوال مذكورةٌ في كتب الفقه.
قوله :﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ﴾ [ البقرة : ١٩٦ ] قال أحمد بن يحيى : أصل الحصر، والإحصار : المنع والحبس.
ومنه قيل للملك : الحصير؛ لأنه ممنوع من الناس.
قال لبيدٌ :[ الكامل ]
٩٧٩ -..................... | جِنٌّ لَدَى بَابِ الْحَصِيرِ قِيَامُ |
٩٨٠ - وَمَا هَجْرُ لَيْلَى أَنْ تَكُونَ تَبَاعَدَتْ | عَلَيْكَ وَلاَ أَنْ أَحْصَرَتْكَ شُغُولُ |
٩٨١ - وَلَقَدْ تَكَنَّفَنِي الْوُشَاةُ فَصَادَفُوا | حَصِراً بِسِرِّكِ يَا أُمَيْمَ حَصُوراً |
وقيل : إنَّ الحَصْرَ مختصٌّ بالمنع الحال من جهة العدوِّ؛ وهو مرويٌّ عن ابن عبَّاس، وابن عمر، وابن الزُّبير، قالوا : لا حصر إلاَّ حصر العدوِّ، وهو قول سعيد بن جبير، وسعيد بن المسيِّب، وإليه ذهب إسحاق، وأحمد، والشافعيُّ - رحمهم الله تعالى؛ وأكثر أهل اللغة يردُّون هذا القول.
وفائدة هذا الخلاف في أنَّه : هل يثبت للمحصر بالمرض ويغره من الموانع حكم المحصر بالعدوِّ؟
فقال الشافعيُّ : لا يثبت، وقال غيره : يثبت، والقائلون بأنه يثبت، قال بعضهم : أنَّه ثابتٌ بالنصِّ، وقال آخرون : بالقياس الجلي.