وجوابه : أنَّ المحلَّ عبارة عن الزَّمان كمحل الدّين.
الثَّاني : أن لفظ « المَحِلّ » يحتمل الزَّمانَ والمَكَانَ إلاَّ أن الله - تعالى - أَزَلَ هذا الاحتمال بقوله :﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَآ إلى البيت العتيق ﴾ [ الحج : ٢٣ ].
وجوابه بأَنَّ كُلَّ ما وجب على المحرم فى ماله من بَدنَةٍ، وجزاء هَدْي، فَلاَ يُجْزِي إلاَّ فى الحَرَمِ لمساكين أهْلِهِ إلاَّ فى مَوْضعَين :
أحدهما : مَنْ سَاقَ هَدْياً، فعطب فى طريقه ذبحه، وخلَّى بين المَسَاكِين وَبَيْنَه.
والثَّاني : دم المُحْصَرِ بالعَدُوِّ فينحر حيثُ حبس، فالأَدِلَّةُ المذكورةُ فى باقي الدّماءِ فلم قلتم إِنَّها تَتَنَاوَلُ هذه الصَّورَةَ؟
الثَّالث : قالوا إِنَّما سُمِّيَ هَدْياً؛ لأنه جارٍ مَجْرَى الهَدِيَّةِ التى يَبْعَثُهَا العَبْدُ إلى رَبِّهِ والهديّةُ لا تكونُ هَدِيَّةً إلاَّ إذا بَعَثَها المهَدي إلى دَارِ المهدى إليه، وهذا المعنى لا يُتَصَّورُ إلاَّ بجعلِ موضعِ الهَدْي هو الحَرَمُ.
وجوابه : هذا تَمَسُّكٌ بالاسم، ثم هُوَ مَحْمُولٌ على الأصلِ عند القُدْرَة.
الرابع : أَنَّ سَائِر دماء الحَجّ سواء كانت قربة، أو كَفَّارة، لا تَصِحُ إلاَّ فى الحرم، فكذا هذا.
وجوابُهُ أنَّ هذا الدَّم إِنَّما وَجَبَ لإزالة الخَوْفِ، وزوال الخوف إِنْما يَحْصُلُ إذا قدر عليه حَيْثُ أُحصر، فلو وَجَبَ إِرْسَالَه إلى الحرم، لم يحصل هذا المَقْصُود، وهذا المَعْنَى غير موجود فى سائِرِ الدِّمَاءِ، فَظَهَر الفَرْقُ.
والقَائِلُونَ بأَنَّ مَحلَّه الحَرَم قالوا : إن كان المُحْصَر حَاجّاً، فمحله يوم النَّحْرِ، وإِنْ كَانَ معتمراً، فمحله يَوم يبلغ هديه الحرم.
قوله ﴿ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً ﴾ [ البقرة : ١٩٦ ].
فى « مِنْكُمْ » وجهان :
أحدهُما : أن يَكُونَ فى مَحَلِّ نَصْبٍ على الحال من « مَرِيضاً » ؛ لأنه فى الأصل صفةٌ لهن فلمَّا قُدِّم عليه انتَصَبَ حالاً. وتَكُونَ « مِنْ » تبعيضيةٌ، أي : فَمَنْ كانَ مريضاً منكم.
والثَّاني : أجازه أبو البقاء أن يكونَ متعلِّقاً بمريضاً.
قال أبو حيان :« وهو لا يَكَادُ يُعْقَلُ ». و « مَنْ » يَجُوزُ أنْ تكونَ شرطيةً، وأَنْ تكونَ موصولةً.
قوله :﴿ أَوْ بِهِ أَذًى ﴾ يجوزُ أَنْ يكُونَ هذا مِنْ بابِ عَطْفِ المُفْرَدَاتِ، وأن يَكُونَ من باب عَطْفِ الجُمَلِ. أما الأولُ، فيكونُ الجَارُّ وَالمجرورُ فى قوله :« به » معطوفاً على « مريضاً » الّذي هو خبرُ كانَن فَيَكُونُ فى مَحَلِّ نَصْبٍ. ويكونُ « أذىً » مرفوعاً به على سبيل الفَاعِلِيِّة؛ لأَنَّ إِذَا اعْتمد رَفَع الفاعل عند الكُلَ فيصيرُ التقديرُ : فَمَنْ كان كائناً به أَذىً من رَأْسِهِ. وأما الثاَّاني فَيَكُونُ « به » خبراً مقدَّماً، ومحلُّه على هذا رَفْعٌ، وفى الوجهِ الأَوَّلِ كان نصباً، و « أذىً » مبتدأٌ مؤخَّر، وَتَكُونُ هذه فى مَحَلِّ نَصْبٍ؛ لأنَّها عَطفٌ على « مَريضاً » الواقع خبراً لكَان، فهى وإنْ كانَتْ جُمْلَةً لفظاً، فهي فى مَحَلِّ مُفْرَدٍ؛ إذ المَعْطُوفُ على المَفْرَدِ مفردٌ، لا يُقَالُ : إنه عَادَ إلى عَطْفٍ المُفْرَدَاتِ، فيتَّحِدُ الوجهانِ لوضوحِ الفَرق.


الصفحة التالية
Icon