روي عن أبي ذَرِّ أنَّه قال : ما كانت متعة الحج إلاّ لي خاصة، وكان السَّبَبُ فيه أنَّهم كانُوا لا يَرَونَ العُمرةَ فى أشهر الحَجِّ، ويعدُّونَهَا مِنْ أَفْجَرِ الفجُور، فلما أراد - عليه السَّلام - إبطال ذلك الاعتقاد عليهم بالغ فيه، بأنْ نقلهم فى أشهرِ الحَجِّ من الحَجِّ إلى العُمرَةِ، وهذا سَبَبٌ لا يشاركهم فيه غيرهم، فلهذا المعنى كان فسخ الحَجِّ خاصّاً بهم.
قال القُرطبيُّ : وزعَمَ مَنْ صَحَّحَ نَهي عُمر عن التَّمَتُّعِ : أنّما نهى لينتجع إلى البيت مرَّتَيْنِ أو أكثر فى العام حتى يُكْثر عمارته بكثرة الزِّيارة فى غير المَوْسِمِ، وأراد إدخال الرّفق على أهل الحَرَمِ بدخول النَّاس، تحقيقاً لِدَعوة إبراهيم - عليه السَّلامُ - ﴿ فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس تهوي إِلَيْهِمْ ﴾ [ إبراهيم : ٣٧ ].
وقيل : إنَّما نهى عنهما؛ لأَنَّهُ رأى النَّاسَ مالوا إلى التَّمتُّع ليسارته، وخفِّتِهِ؛ فخشي أن يضيع الإفراد والقران، وهما مسنُونانِ.
فصل
التَّمتُّع لا يحصُلُ إلاَّ بمحظورات الإحرامِ لكِنَّهُ لما كان بسبب إتيانِهِ بالعُمْرَة سَمَّاهُ تمتعاً بالعُمرة إلى الحَجِّ. ؟
فصل في شروط وجوب دم التَمتُّع
يشترط لوجوب دم التَّمَتُّع خمسة شروطٍ :
أحدها : أن يُقَدم العُمرة على الحَجِّ.
والثاني : أن يُحرم بالعُمرة في أشهر الحَجِّ، فلو أحرمَ لها قبل أشهر الحَجِّ، وأتى بشيء من الطَّوَافِ، ولو شوطاً واحِداً، ثم أكمل بقيه في أشهر الحَجِّ فى هذه السَّنة، لم يلزمه الدَّمُ؛ لأنَّهُ لم يجمع بينَ النُّسُكَيْنِ فى أشهر الحَجِّ.
وقال أبو حنيفة : إذا أتى بأكثر الطَّوَافِ فى أشهر الحَجِّ، فهو مُتَمَتِّعٌ، وإذا أتى بالأكثر قبل أشهر الحَجِّ فلا.
الثالث : أن يَحِجُّ فى هذه السَّنَة، فإن حَجَّ فى سَنَةٍ أخرى لم يَلْزَمْهُ دَمٌ؛ لأَنَّه لم يوجد مُزَاحمة الحَجُّ والعمرة فى عامٍ واحدٍ، ولم يحصل الترفُّه بترك أحد السّفرين، إلاَّ على قول ابن الزُّبير فيما قَدَّمناه.
الرابع : ألا يكُون من حاضري المسجد الحرام لقوله تعالى :﴿ ذلك لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسجد الحرام ﴾، وهومَنْ كان أهلُهُ على أقلّ منمسافة القَصْرِ، وهل تُعْتَبَرُ هذه المَسَافَةُ من مَكَّة، أو من الحرمِ فيه وجهان.
الخامس : أن يُحْرِم بالحَجِّ من مَكَّةَ بعد الفَرَاغ من العُمرة، فلو رجع إلى الميقاتِ، وأحرمَ بالحَجِّ منه، لا يلزمُهُ دَمُ التَّمَتُّعِ.
فصل
قال القُرطبيُّ : التَّمَتُّع بالعمرة إلى الحَجِّ على أربعةِ أوجهٍ :
أحدها مجمع عليه، والثَّلاثةُ مختلفٌ فيها فالمجمعُ عليه هو المراد بقوله تبارك وتعالى :﴿ فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج فَمَا استيسر مِنَ الهدي ﴾، وذلك أَنْ يُحْرَمُ بالعُمْرَةِ في أشهر الحَجِّ، ويكون آفاقيّاً، ويفرغ منها، ويقيم حلالاً بمكَّة إلى أن يحرم بالحجِّ من عامِهِ قبل رجوعه إلى بلدِهِ.
ولها ثَمَانيةٌ شروطٍ :
الأول : أن يجمع بين الحجّ والعمرة.
الثاني : فى عامٍ واحدٍ.
الثالث : فى سفر واحد.
الرابع : فى أشهر الحَجِّ.