قوله :« ذَلِكَ لِمَنْ » « ذَلِكَ » مبتدأ، والجارُّ بعده الخبر. وفي اللاَّم قولان :
أحدهما : أنَّها على بابها، أي : ذلك لازمٌ لمن.
والثاني : أنها بمعنى على، كقوله :﴿ أولئك لَهُمُ اللعنة ﴾ [ الرعد : ٢٥ ]، وقال عليه السَّلام :« اشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلاَءَ »، أي : عليهم، وقوله :﴿ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾ [ الإسراء : ٧ ] أي : فعلهيا، وذلك إشارة إلى التَّمتُّع، والقران للغريب [ ولا حاجة إلى هذا. و « مَنْ » يجوز أن تكون موصولة، وموصوفة. و « حَاضِرِي » خبر « يَكُن »، وحذفت نونه للإضافة ].
فصل
قوله :« ذلك » إشارة إلى أمرٍ تقدَّم، وأقرب الأمور المذكورة، ذكر ما يلزم المتمتع من الهدي وبدله.
وقال بعض العلماء : لزوم الهدي وبدله للمتمتّع مشروطٌ بألاّ يكون من حاضري المسجد الحرام، فإن كان من أهل الحرم، فلا يلزمه هدي المتمتّع، وإنَّما لزم الآفاقي، لأنه كان يجب عيله أن يحرم بالحجِّ من الميقات، فلمّا أحرم بالعمرة من الميقات، ثم أحرم بالحجِّ من غير الميقات، فقد حصل هناك خللٌ، فجبر بالدَّم، بدليل أنّه لو رجع، فأحرم بالحجِّ أيضاً من الميقات؛ لما يلزمه دمٌ، والمكيُّ ميقاته موضعه، فلا يقع فى حجِّه خللٌ من جهة الإحرام، فلا هدي عليه.
وقال أبو حنيفة - رضي الله عنه - : قوله « ذَلِكَ » إشارةٌ إلى الأبعد وهو ذكر التّمتع، وعنده لا متعة ولا قران لحاضري المسجد الحرام، ومن تمتع أو قرن، كان عليه دم جنايةٍ لا يأكل منه.
حجَّة القول الأوَّل وجوه :
أحدها : قوله تعالى ﴿ فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج ﴾ عامٌّ يدخل فيه الحرمي، وغيره.
وثانيهما : أنَّ الإشارة يجب عودها إلى أقرب مذكور، وهو جوب الهدي، فإذا خصَّ وجوب الهدي بالمتمتع الآفاقي؛ لزم القطع بأن غير الآفاقي قد يكون أيضاً متمتعاً.
وثالثها : أنَّ الله تعالى شرع القران والمتعة تبييناً لنسخ ما كان عليه أهل الجاهلية في تحريمهم العمرة في أشهر الحجِّ، والنسخ ثبت فى حقّ النَّاس كافَّةً.
حجَّة أبي حنيفة : أنَّ قوله :« ذَلِكَ » كنايةٌ؛ فوجب عودها إلى كلِّ ما تقدم، لأنَّه ليس البعض أولى من البعض.
والجواب أنَّ عوده إلى الأقرب أولى، لأنَّ القرب سببٌ للرُّجحان، ومذهبكم أن الاستثناء المذكور عقيب الجمل مختصٌّ بالجملة الأخيرة، وإنَّما تميزت تلك الجملة عن سائر الجمل بسبب القرب، فكذا ها هنا.
فصل
اختلفوا فى حاضري المسجد الحرام، فذهب قوم إلى أنَّهم أهل مكَّة، وهو قول مالك - رحمه الله -.
وقال ابن جريج : أهل عرفة والرجيع وضجنان.
وقال الشَّافعيُّ - رحمه الله - : كلُّ من كان وطنه من مكَّة على أقلّ من مسافة القصر، فهو من حاضري المسجد الحرام.
وقال عكرمة : من كان دون الميقات.
وقيل هم أهل الميقات فما دونه، وهو قول أصحاب الرَّأي.