والمشار إليه ب « تلك » فيه ثلاثة احتمالات :
أحدها : أنه المقالة المفهومة من :« قَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الجنة »، أي : تلك المقالة أمانيهم.
فإن قيل : كيف أفرد المبتدأ وجمع الخبر؟
فالجواب : أن تلك كناية عن المَقَالة، والمقالة في الأصل مصدر، والمصدر يقع بلفظ الإفراد للمفرد المثنى والمجموع، فالمراد ب « تِلْكَ » الجمع من حيث المعنى.
وأجاب الزمخشري رحمه الله أن « تِلْكَ » يشار بها إلى الأماني المذكورة، وهي أمنيتهم [ ألا ينزل على المؤمنين خير من ربهم، وأمنيتهم أن يردوهم كفاراً أي ] ألاَّ يدخل الجنة غيرهم.
قال أبو حيان رحمه الله تعالى : وهذا ليس بظاهر؛ لأن كل جملة ذكر فيها ودّهم لشيء قد كملت وانفصلت، وانفصلت، واستقلت بالنزول، فيبعد أن يشار إليها.
وأجاب الزمخشري أيضاً أن يكون على حذف مضاف أي : أمثال تلك الأمنية أمانيهم، يريد أن أمانيهم جميعاً في البُطْلاَن مثل أمنيتهم هذه يعني أنه أشير بها إلى واحد.
قال أبو حيان : وفيه قلب الوَضْع، إذ الأصل أن يكون « تِلْك » مبتدأ، و « أَمَانِيُّهُمْ » خبر، فقلب هذا الوضع، إذ قال : إن أمانيهم في البطلان مثل أمنتيهم هذه، وفيه أنه متى كان الخبر مشبهاً به المبتدأ، فلا يتقدم الخبر نحو : زيد زهير، فإن تقدم كان ذلك من عكس التشبيه كقولك : الأسد زيد شجاعة [ قال ﷺ :« العَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ تَعَالَى » وقال علي رضي الله عنه :« لا تتكل على المُنَى، فإنها تضيع المتكل » ].
قوله :« هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ » هذه الجملة في محلّ نصب بالقول.
واختلف في « هات » على ثلاثة أقوال :
أصحها : أنه فعل، [ وهذا هول صحيح لا تَّصَاله بالضمائر المرفوعة البارزة نحو : هاتوا، هاتي، هاتيا، هاتين.
الثاني : أنه اسم فعل بمعنى أحضر.
الثالث : وبه قال الزمخشري : أنه اسم صوت بمعنى « ها » التي بمعنى : رَامى يُرَامي مُرَامَاة، فوزنه « فاعل » فتقول : هات يا زيد، وهاتي يا هند، وهاتوا وهاتين يا هندات، كما تقول : رَام رَامِي رَامِيا رَامُوا رَامِينَ. وزعم ابن عطية رحمه الله أن تصريفه مُهْجُور لا يقال فيه إلاّ الأمر، وليس كذلك.
الثاني : أن « الهاء » بدل من الهمزة، وأن الأصل « آتى » وزنه : أفعل مثل أكرم.
وهذا ليس بجيد لوجهين :
أحدهما : أن « آتى » يتعدى لاثنين، وهاتي يتعدى لواحد فقط.
[ وثانيهما ] : أنه كان ينبغي أن تعود الألف المبدلة من الهمزة إلى أصلها [ الزوال ] موجب قلبها، وهو الهمزة الأولى، ولم يسمع ذلك.


الصفحة التالية
Icon