، وأما يوم عرفة فله عشرة أسماء خمسة منها مختصَّة به، وخمسة يشترك فيها مع غيره، فالخمسة الأول :
أحدها : عرفة وتقدَّم اشتقاقه.
الثاني : يوم إياس الكفَّار من دين الإسلام؛ قال - تبارك وتعالى - :﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسلام دِيناً ﴾ [ المائدة : ٣ ].
قال عمر، وابن عبَّاس : نزلت هذه الآية الكريمة عشيَّة عرفة، والنَّبي ﷺ واقف بعرفة في موقف إبراهيم - عليه السلام - : ، وذلك في حجَّة الوداع وقد اضمحلَّ الكفر وهدم شأن الجاهليَّة، فقال النبيُّ - عليه السلام - :« لو يَعْلَمُ النَّاسُ ما لَهُم في هذه الآية، لقَّرَّت أَعْيُنُهُم » فقال يهوديُّ لعمر : لو أنَّ هذه الآية نَزَلَت عَلَيْنَا لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْم عِيداً، فقال عُمَر : أمَّا نَحْنُ فَجَعَلْنَاهُ عيدين « ؛ كان يوم عَرَفَة ويَوم الجُمَعَة، ومعنى إياس المشركين بأنَّهم يئسوا من قوم محمَّد - عليه السَّلام - أن يرتَدّوا [ راجعين ] إلى دينهم.
الثالث : يوم إكمال الدِّين؛ نزل فيه قول تعالى :﴿ اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [ المائدة : ٣ ] فلم يأمرهم بعد ذلك بشيءٍ من الشَّرائع.
الرابع : يوم إتمام النِّعمة؛ لقوله فيه :﴿ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾ [ المائدة : ٣ ] وأعظم النِّعم نعمة الدِّين.
الخامس : يوم الرِّضوان؛ لقوله تعالى في ذلك اليوم :﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسلام دِيناً ﴾ [ المائدة : ٣ ].
أما الخمسة الأُخر.
فأحدها : يوم الحجِّ الأكبر؛ قال تعالى :﴿ وَأَذَانٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الناس يَوْمَ الحج الأكبر ﴾ [ التوبة : ٣ ] وهذا الاسم مشترك بينه وبين يوم النَّحر، واختلف فيه الصَّحابة - رضي الله عنهم - والتابعون.
فمنهم من قالك إنَّه عرفة؛ لأنَّ فيه الوقوف بعرفة » والحَجُّ عَرَفَة « فإنَّه لو أدركه وفاته سائر مناسك الحجِّ، أجزاء عنها الدَّم، فلهذا سمِّي بالحَجِّ الأكبر.
وقال الحَسَن : سمِّي به؛ لأنه اجتمع فيه الكفَّار والمسلمون، ونودي فيه على ألاَّ يحجَّ بعده مشرك.
وقال ابن سيرين : إنما سمِّي به؛ لأنَّه اجتمع فيه أعياد أهل الملل كلِّها؛ من اليهود والنَّصارى وحجِّ المسلمين، ولم يجتمع قبله ولا بعده.
ومنهم من قالك إِنَّه يوم النَّحر؛ لأن فيه أكثر مناسك الحجِّ، فأمَّا الوقوف فلا يجب في اليوم بل يجزئ باللَّيل.
وثانيها : الشَّفع.
وثالثهما : الوتر.
ورابعها : الشَّاهد.
وخامسها : المشهود في قوله تعالى :﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ [ البروج : ٣ ].
فصل »
في ترتيب أعمال الحج «
من دخل مكَّة محرماً في ذي الحجَّة أو قبله، فإن كان مفرداً أو قارناً طاف طواف القدوم، وأقام على إحرامه حتى يخرج إلى عرفات وإن كان متمتِّعاً طاف وسعي وحلق، وتحلَّل من عمرته، وأقام إلى وقت خروجه إلى عرفاتٍ، وحينئذٍ يحرم من مكَّة بالحجِّ ويخرج، وكذلك من أراد الحجَّ من أهل مكَّة، والسُّنَّة أن يخطب الإمام بمكَّة يوم السَّابع من ذي الحجَّة، بعد أن يصلِّي الظُّهر خطبة واحدة، يأمرهم فيها بالذِّهاب غداً بعد صلاة الصُّبح إلى منى، ويعلمهم تلك الأعمال، ثم يذهبون يوم التَّروية وهو اليوم الثَّامن من ذي الحجَّة إلى منى، بحيث يوافون الظُّهر بها، ويصلُّون بها الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء والصُّبح من يوم عرفة، فإذا طلعت الشَّمس على ثبيرٍ يتوجَّهون إلى عرفات، فإذا دنوا منها فالسُّنَّة ألاَّ يدخلوها، بل يضرب فيه الإمام بنمرة، وهي قريبة من عرفة، فينزلون هناك حتَّى نزول الشَّمس، فيخطب الإمام خطبتين، يبيِّن لهم مناسك الحجِّ، ويُحرِّضهم على كثرة الدُّعاء والتَّهليل بالموقف، فإذا فرغ من الخطبة الاولى، جلس ثم قال، وافتتح الخطبة الثَّانية والمؤذِّنون يأخذون في الأذان معه، ويخفِّف بحيث يكون فراغه من الخطبة، مع فراغ المؤذِّنين من الأذان، ثم ينزل فيقيم المؤذِّنون فيصلِّي بهم الظُّهر، ثم يقيمون في الحال ويصلِّي بهم العصر، وهذا الجمع متفقٌ عليه، فإذا فرغوا في الصَّلاة توجَّهوا إلى عرفاتٍ، فيقفون عند الصَّخرات موقف النَّبي ﷺ ويستقبلون القبلة ويذكرون الله - تعالى - ويدعونه إلى غروب الشَّمس.