فصل
اعلم أنّ أهل الجاهليَّة كانوا قد غيَّروا مناسك الحجِّ عن سنَّة إبراهيم - عليه السلام - وذلك أنّ قريشاً وقوماً آخرين سمُّوا أنفسهم بالحمس، وهم أهل الشَّدَّة في دينهم، والحماسة الشِّدَّة، يقال : رجل أحمس وقوم حمسٌ، ثم إن هؤلاء كانوا لا يقفون في عرفاتٍ، ويقولون : لا نخرج من الحرم، ولا نتركه وقت الطَّاعة، وكان غيرهم يقفون بعرفاتٍ والَّذين كانوا يقفون بعرفة يفيضون قبل غروب الشِّمس، والذين يقفون بالزدلفة يفيضون إذا طلعت الشَّمس، ويقولون : أشرق ثبير كيما نغير، ومعناه : أشرق يا ثبير بالشَّمس، كيما نندفع من مزدلفة، فيدخلون في غور من الأرض، فأمر الله - تعالى - محمَّداً - عيله السَّلام - بمخالفة القوم في الدُّفعتين، فأمره بأن يفيض من عرفة بعد المغرب، وبأن يفيض من مزدلفة قبل طلوع الشَّمس، فالسُّنَّة بيَّنت المراد من الآية الكريمة.
فصل
الآية دلَّت على وجوب ذكر الله عند المشعر الحرام، عند الإفاضة من عرفات، والإفاضة من عرفة مشروطة بالحصول في عرفة، ما لا يتمُّ الواجب إلاَّ به وكان مقدوراً للمكلَّف، فهو واجبٌ، فدلَّت الآية الكريمة على أنَّ الحصول في عرفاتٍ واجبٌ في الحجِّ، فإذا لم يأت به لم يكن آتياً بالحجِّ المأمور؛ فوجب ألاَّ يخرج عن العهدة، وهذا يقتضي أن يكون الوقوف بعرفة شرطاً.