وقيل :﴿ والله سَرِيعُ الحساب ﴾ قال الحَسَن : أسْرَع مِنْ لَمْحِ البَصَر.
وقيل : إتْيَان القِيَامة قريبٌ؛ لأن ما هو أتٍ لا مَحَالَة قَرِيب؛ قال - تعالى - ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ ﴾ [ الشورى : ١٧ ].
وقيل : سريع الحساب، أي : سريع القبول لدعاء عباده والإجابة لهم؛ لأنّه - تعالى - في الوقت الواحد يسأله السَّائلون، كلُّ واحدٍ منهم أشياء مختلفة من أمور الدُّنيا والآخرة، فيعطي كلَّ واحد مطلوبه من غير أن يشتبه عليه شيء من ذلك.

فصل في أن الله هو المحاسب


اختلف الناس في معنى كونه - تعالى - محاسباً للخلق على وجوه :
أحدها : أنّ معنى الحساب : أنّه - تعالى - يعلِّمهم ما لهم و [ ما ] عليهم، بمعنى أنّه يخلق علوماً ضروريّة في قلوبهم، بمقادير أعمالهم وكمِّيَّاتها وكيفيَّاتها، ومقادير ما لهم من الثَّواب والعقاب.
قالوا : ووجه المجاز فيه أنّ الحساب سبب لحصول علم الإنسان بمال له و [ ما ] عليه، فإطلاق اسم الحساب على هذا الإعلام يكون من باب إطلاق اسم السَّبب على المسبِّب، وهو مجاز مشهورٌ.
ونقل عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنّه قال : لا حساب على الخلق، بل يقفون بين يدي الله - تعالى -، يعطون كتبهم بأيمانهم فيها سيئاتهم، فيقال لهم : هذه سيِّئاتكم قد تجاوزت عنها، ثم يعطون حسناتهم، ويقال لهم : هذه حسناتكم قد ضاعفتها لكم.
الثاني : لأنّ المحاسبة عبارة عن المجازاة؛ قال - تبارك وتعالى - ﴿ وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً ﴾ [ الطلاق : ٨ ]، ووجه المجاز : أنَّ الحساب سبب للأخذ والعطاء، وإطلاق اسم السَّبب على المسبّب جائزٌ؛ فحسن إطلاق لفظ الحساب على المجازاة.
الثالث : أنّه تتعالى يكلِّم العباد في أحوال أعمالهم، وكيفيَّة ما لها من الثّضواب والعقاب، فمن قال : إن كلامه ليس بحرف ولا صوتٍ، قال : إنّه تعالى يخلق في أذن المكلَّف سمعاً يسمع به كلامه القديم؛ كما أنّه يخلق في عينيه رؤية يرى بها ذاته القديمة، ومن قال : إنه صوت، قال : إنّه - تعالى - يخلق كلاماً يسمعه كلُّ مكلَّف، إمّا بأن يخلق ذلك الكلام في أذن كلِّ واحدٍ منهم، أو في جسم يقرب من أذنه، بحيث لا تبلغ قوَّة ذلك الصوت أن تمنع الغير من فهم ما كلِّف به، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon