اليهودُ ملَّة معروفة، والياء فيه أصلية لثبوتها في التَّصريف، وليست من مادّة « هود » من قوله تعالى :﴿ هُوداً أَوْ نصارى ﴾ [ البقرة : ١١١ ] وقد تقدم أن الفراء رحمه الله يدعي أن « هُوداً » أصله : يَهُود، فحذفه ياؤه، وتقدم أيضاً عند قوله تعالى :﴿ والذين هَادُواْ ﴾ [ البقرة : ٦٢ ] أن اليهود نسبة ل « يهوذا بن يَعْقُوب ».
وقال الشَّلَوبِينُ : يهود فيها وجهان :
أحدهما : أن تكون جمع يَهُودِيّ، فتكون نكرة مصروفةً.
والثاني : أن تكون عَلَماً لهذه القبيلة، فتكون ممنوعةً من الصرف. انتهى. ، وعلى الأول دخلت الألف واللام، وعلى الثاني قوله :[ الطويل ]
٧٤٢ أُولَئِكَ أَوْلَى مِنْ بِمِدْحَةٍ | إِذَا أَنْتَ يَوْماً قُلْتَهَا لَمْ تُؤَنَّبِ |
٧٤٣ فَرّت يَهُودُ وَأَسْلَمَتْ حِيرَانُهَا | ......................... |
قوله تعالى :« لَيْسَت النَّصَارَى » « ليس » فعل ناقص أبداً من أخوات « كان » ولا يتصرف، ووزنه على « فَعِل » بكسر الين، كان من حق فائه أن تكسر إذا أسند إلى تاء المتكلم ونحوها على الياء مثل : شئت، إلا أنه لما لم ينصرف بقيت « الفاء » على حالها.
وقال بعضهم :« ليست » بضم الفاء، ووزنه على هذه اللغة : فَعُل بضم العين، ومجيء فَعُل بضمّ العين فيما عينه ياء نادر، لم يجىء منه إلاَّ « هيؤ الرجل »، إذا حسنت هيئته.
وكون « ليس » فعلاً هو الصحيح خلافاً للفارسي في أحد قوليه، ومن تابعه في جعلها حرفاً ك « ما » كما قيل ويدلّ على فعليتها اتصال ضمائر الرَّفْع البارزة بها، ولها أحكام كثيرة، و « النَّصَارى » اسمها، و « عَلَى شَيْءٍ » خبرها، وهذا يحتمل أن يكون مما حذفت فيه الصفة، أي على شيء معتدّ به كقوله سبحانه وتعالى :﴿ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ [ هود : ٤٦ ] أي : أهلك الناجين، وقوله :[ الطويل ]
٧٤٤........................ | ............... لَقَدْ وَقَعْتِ عَلَى لَحْمِ |
فصل في سبب نزول هذه الآية
روي أن وقد نجران لما قدموا على رسول الله ﷺ أتاهم أحبار اليهودن فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم، فقالت اليهود : ما أنتم على شيء من الدين، وكفروا بعيسى عليه السلام والإنجيل.
وقالت النصارى لهم نحوه، كفروا بموسى عليه السَّلام والتوراة، فأنزل الله هذه الآية.