أحدهما : أن تكُونَ عطفاً على ما قبلها، وهو « يُعْجِبُكَ »، فتكون : إمَّا صلةً، أو صفةً حسب ما تقدَّم في « مَنْ ».
والثاني : أن تكُون مُستأَنفةً لمُجرَّدِ الإخبارِ بحالِهِن وقد تَمَّ الكلامُ عند قوله :« ألدُّ الخصام ».
والتّولِّي والسَّعْيُ يحْتَمِلان الحقيقة، أي : تولَّى ببدنِهِ عنك وسعَى بِقَدَمَيْهِ، والمُجازَ بأن يريدُ بالتولِّي الرُّجُوع عن القَوْلِ الأَوَّل، وبالسَّعي العمَل والكَسْبَ من السَّعاية، وهو مجازٌ شائعٌ؛ ومنه :﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى ﴾ [ النجم : ٣٩ ]، وقال امرؤُ القَيسِ :[ الطويل ]
١٠١١ - لَلَوْ أَنَّ مَا أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيشَةٍ | كَفَانِي - وَلَمْ أَطْلُبْ - قليلٌ مِنَ المَالِ |
وقال آخرُ :[ السريع ]
١٠١٢ - أَسْعَى عَلَى حَيِّ بَنِي مَالِكٍ | كُلُّ امْرِىءٍ فِي شَأْنِهِ سَاعِي |
١٠١٣ - مَا قُلْتُ مَا قَالَ وُشَاةٌ سَعَوْا | سَعْيَ عَدْوٍّ بَيْنَنَا يَرْجُفُ |
وقال مُجاهدٌ : إيضا وُلِّي، وعمل بالعُدوان، والظُّلم، أَمْسَكَ اللَّهُ المطر، وأهلك الحرث والنَّسل.
قوله :« فِي الأَرْضِ » مُتَعَلِّقٌ ب « سَعَى »، فإنْ قيل : مَعْلُومٌ أنَّ السَّعْيَ لا يكُونُ إلاَّ فِي الأَرْضِ قيل : لأنَّهُ يُفيدُ العُمُومَ، كأنه قيل : أيَّ مكانٍ حَلَّ فيه من الأرض أفسدَ فيه، فَيَدُلَّ لفظُ الأَرْضِ على كَثرةٍ فسادِهِ، إذ يلزَمُ مِنْ عمومِ الظَّرفِ عمومُ المَظْرُوفِ، و « ليُفْسِدَ » مُتَعَلّقٌ ب « سَعَى » علَّةً له.
قوله :« وَيُهْلِكَ الحَرْثَ » الجُمْهُورُ على :« يُهْلِكَ » بضمِّ اليَاءِ، وكسر اللام ونصب الكافِ. « الحَرْثَ » مفعول به، وهي قراءةٌ واضِحَةٌ من : أَهْلَكَ يُهْلك، والنَّصبُ عطَفٌ على الفعل قبلُهُ، وهذا شبيهٌ بقوله تعالى :﴿ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ ﴾ [ البقرة : ٩٨ ] فإنَّ قوله :« ليفْسِدَ » يَشْتَمِلُ على أَنَّهُ يُهْلَكُ الحَرْثَ والنَّسْلَ، فخصَّهُما بالذّكر لذلك. وقرأ أُبيّ :« وليُهْلِكَ » بإظهارِ لام العِلَّةِ، وهي معنى قراءة الجَمهور، وقرأ أبو حَيوة - ورُويت عن ابن كثيرٍ وابن عمرو - « وَيَهْلِك الحَرْثُ والنَّسْلُ » بفتح الياءِ، وكسر اللام من هلك الثَّلاثي، و « الحَرْث » فاعلٌ، و « النَّسلُ » عطفٌ عليه. وقرأ قومٌ :« ويُهْلِكُ الحَرْثَ » من أَهْلَكَ، و « الحَرْث » مفعولٌ به إلا أَنَّهُم رفعُوا الكاف. وخُرِّجت على أربعةِ أوجهٍ : أن تكُونَ عَطْفاً على « يُعْجِبُك » أو على « سَعَى » ؛ لأَنَّهُ في معنى المُستقبل، أو على خبر مُبْتَدأ للمفعول، « الْحَرْثُ » رفعاً، وَقَرَأَ أيضاً :« ويَهَلكُ » بفتح الياءِ واللام ورفعِِ الكَافِ، « الحَرْثُ » رفعا على الفاعلية، وفتحُ عين المُضارع هنا شاذٌّ لفَتْحٍ عين ماضِيهِ، وَليس عينُهُ ولا لامُهُ حرفَ حَلْق، فهو مثلُ رَكَنَ يَرْكَنُ بالفتح فيهما.