وقيل : معناه لا يجب الفساد من أهل الصلاح، أو لا يحبه ديناً، أو المعنى لا يأمر به.

فصل في بيان فساد قول المعتزلة في معنى المحبة


استدلت المعتزلة به على أَنَّهُ تبارك وتعالى لا يريد القبائح، قالوا : المحبة عبارة عن الإرادة لقوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة فِي الذين آمَنُواْ ﴾ [ النور : ١٩ ] والمرادُ أنهم يُرِيدونَ.
وأيضاً : نُقِل عن النبيِّ - عليه السلامُ - أَنَّهُ قال :« إِنَّ اللَّهَ أَحَبَّ لَكُمْ ثَلاَثاً، وكره لكُم ثلاثاً : أَحَبَّ لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوه وَلاَ تُشْرِكُوا به شَيْئاً، وأَنْ تتَنَاصحُوا منْ وَلاّهُ أَمْرَكُم، ويَكْرَهُ لَكُمْ القيل والقَالَ، وإضاعَة المال، وكثرةَ السُّؤالِ » فجعل الكراهةَ ضِدَّ المحبةِ، وإذا ثبتَ أَنَّ الإرادة نفسُ المحبةِ، فقوله :﴿ والله لاَ يُحِبُّ الفساد ﴾، كقوله : لا يُريدُ الفساد، وكقوله ﴿ وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ ﴾ [ غافر : ٣١ ]، وإذا كان لا يريدُ الفساد، لا يكون خالقاً له؛ لأنَّ الخلقَ لا يمكن إلاَّ مع الإرادة، وأُجيبُوا بوجهين :
أحدهما : أَنَّ المحبة غيرُ الإِرادة، بل المحبَّةُ عبارةٌ عن مَدح الشيء.
والثاني : سَلَّمنا أَنَّ المحبةَ نفسُ الارادة، لكن قوله تعالى ﴿ والله لاَ يُحِبُّ الفساد ﴾ [ البقرة : ٢٠٥ ] لا يُفيد العُموم؛ لأنَّ الألف واللاَّم الداخلتين في اللفظ لا يُفيدان العمومَ، ثم يهدم كلامهم وجهان :
الأول : أَنَّ قُدرة العبد صالحةٌ للإصلاح، والفساد؛ فترجُّحُ الفساد على الصلاح إِنْ وقع لا لمُرجح، لزم نفيُ الصانعِ، وإنْ وقع لمرجح، فذلك المرجّح لا بُدَّ وأنْ يكونَ من اللَّهِ؛ وإِلاَّ لَزِمَ التسلسلُ، فثبت أَنَّ اللَّهَ سُبحانه هو المرجح لجانب الفساد، فكيف يعقِلُ أَنْ يُقالِ إِنَّهُ لا يريده؟
والثاني : أَنَّهُ عالِمٌ بوقوع الفسادِ، فإن أراد أَلاَّ يقع الفسادُ، لزم أَنْ يُقال : إِنَّه أَراد أَنْ يقلب علم نفسه جهلاً، وذلك مُحَالٌ.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتق الله ﴾ : هذه الجملةُ الشرطيةُ تحتملُ الوجهين المتقدِّمين في نظيرتها، أَعْني : كونها مستأنفةً، أو معطوفة على « يُعجِبُك »، وقد تقدَّم الخلافُ في الذي قام مقام الفاعل عند قوله :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ ﴾ [ البقرة : ١١ ].
قوله :« أخذَتْهُ العزَّةُ »، أي حملتُه العِزَّةُ وحَمِيَّةُ الجاهلية على الفعل.
قوله :« بالإثم » أي : بالظلم وفي هذه الباءِ ثلاثةُ أوجهٍ :
أحدها : أنْ تكونَ للتعديةِ، وهو قول الزمخشري فإنه قال :« أَخَذْتُهُ بكذا إذا حَمَلْتهُ عليه، وأَلْزَمْتهُ إياه، أي : حَمَلتهُ العِزَّةُ على الإِثْم، وأَلْزَمَتْهُ ارتكابَه » قال أبو حيان :« وباء التعدية بابُها الفعلُ اللازمُ، نحو :﴿ ذَهَبَ الله ﴾ [ البقرة : ١٧ ]، ﴿ وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ ﴾ [ البقرة : ٢٠ ]، ونَدَرَتِ التعديةُ بالباءِ في المتعدِّي نحو :» صَكَكْتُ الحجرَ بالحجرِ « أي : جَعَلْتُ أَحدهما يَصُكُّ الآخرَ ».
الثاني : أَنْ تكونَ للسببيةِ، بمعنى أنَّ إثمّه كان سبباً لأخذِ العِزَّة له؛ كما في قوله :[ الرمل ]


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
١٠١٥ - أَخَذَتْهُ عِزَّةٌ مِنْ جَهْلِهِ فَتَوَلَّى مُغْضَباً فِعْلَ الضَّجِرْ