وقد تلخَّصَ أَنَّ « حَسْبِ » هل هو بمعنى اسم الفاعل وأَصْلُه مصدرٌ، أو اسمُ فعلٍ مَاضٍ، أو فِعْلُ أَمْر؟ وهو مِنَ الأَسماءِ اللازمةِ للإِضَافةِ، ولا يَتَعَرَّفُ بإضافته إلى معرفةٍ؛ تقولُ : مَرَرْتُ برجلٍ حَسْبِك، ويُنْصَبُ عنه التمييزُ، ويكونُ مبتدأً؛ فيُجَرُّ بباءٍ زائدةٍ، وخبراً؛ فلا يُجَرُّ بها، ولا يُثّنَّى ولا يُجْمَعُ، ولا يؤَنَّثُ، وإنْ وَقَعَ صفةً لهذه الأشياءِ.
و « جهنَّمُ » اخَتَلَفَ الناسُ فيها فقال يونس وأكثر النُّحاة : هي اسمٌ للنَّار التي يعذَّب بها في الآخِرةِ وهي أعجميةٌ وعُرِّبَتْ، وأَصْلُها كِهِنَّام، فمنعُها من الصرَّف لِلعلمية والعُجمةِ.
وقيل : بل هي عربيةُ الأَصْلِ، والقائلون، بذلك اختلَفوا في نُونِها : هل هي زائدةٌ، أمْ أصليةٌ؟ فالصحيحُ أنها زائدةٌ، ووزنُها « فَعَنَّلُ » مُشتقةٌ من « رَكِيَّةٌ جِهِنَّامٌ »، أي : بعيدةُ القَعْر، وهي من الجَهْم، وهو الكراهةُ، وقيل : بل نُونُها أصليَّةٌ، ووزنُها فَعَلَّل؛ ك « عَدَبَّسٍ » ؛ قال : لأن « فَعَنَّلاً » مفقودٌ في كلامِهِم، وجعل « زَوَنَّكاً » فَعَلَّلاً أيضاً؛ لأنَّ الواوَ أصلٌ في بنات الأربعةِ؛ ك « وَرَنْتَلٍ »، لكنَّ الصحيحَ إثباتُ هذا البناءِ، وجاءَتْ منه ألفاظٌ، قالوا :« ضَغَنَّطٌ » من الضَّغاطةِ، وهي الضَّخامةُ، و « سَفَنَّجٌ » و « هَجَنَّفٌ » لِلظّلِيم، والزَّوَنَّكُ : القصيرُ سُمِّيَ بذلك؛ لأنه يزوكُ في مِشْيَتِهِ، أي : يَتَبَخْتَرُ؛ قال حَسَّان :[ الكامل ]

١٠١٧- أَجْمَعْتُ أَنَّكَ أَنْتَ أَلأَمُ مَنْ مَشَى فِي فُحْشِ زَانِيَةٍ وَزَوْكِ غُرَابِ
وهذا كلُّه يدُلُّ على أنَّ النُونَ زائدةٌ في « زَوَنَّكٍ » وعلى هذا فامتِناعُها للتأنيثِ والعلَميةِ.
قوله :﴿ وَلَبِئْسَ المهاد ﴾ المخصُوص بالذَّمِّ محذوفٌ، أي : وَلَبِئْسَ المِهادُ جَهَنَّمُ، وحَسَّنَ حَذْفَهُ هنا كونُ « المِهَادِ » وقعَ فاصِلةً. وتقدَّمَ الكلامُ على « بِئْسَ » وحُذِفَ هذا المخصُوصُ بذلك على أنه مبتدأٌ، والجملةُ مِنْ نِعْمَ وبِئْسَ خبرُهُ، سواءٌ تقدَّمَ أو تأخَّرَ؛ لأنَّا لو جَعَلْنَاهُ خبرَ مبتدأ مَحْذُوفٍ، أو مُبتَدأٌ محذوفَ الخبرِ، ثم حذَفْنَاهُ، كُنَّا قد حَذَفْنَا الجملةَ بأَسْرها من غَيْرَ أنْ يَنُوبَ عنها شَيْءٌ، وأيضاً فإنَّه يَلْزَمُ مِنْ ذلك أَنْ تكونَ الجملةُ مُفْلَتَةً مِمَّا قبلها؛ إِذْ ليس لها مَوْضِعٌ من الإِعْرابِ، وليست مُعْترضةً، ولا مفسِّرةً، ولا صلةً. والمِهَادُ فيه قولان :
أحدهما : أَنَّهُ جَمْعُ « مَهْدٍ »، وهو ما يُوطَّأُ للنوم قال تعالى :﴿ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الماهدون ﴾ [ الذاريات : ٤٨ ].
والثاني : أنه اسمٌ مُفْردٌ، سُمِّيَ به الفِرَاشُ المُوَطَّأُ للنَّوم وقِيل :« المُسْتَقِر » كقوله تعالى :﴿ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ القرار ﴾ [ إبراهيم : ٢٩ ] وهذا مِنْ باب التَّهَكم والاستهزاءِ، أي : جُعِلَتْ جَهَنَّمُ لهم بَدَلَ مِهادٍ يَفْترشُونَهُ؛ وهو كقوله :[ الوافر ]
١٠١٨ - وَخَيْلٍ قَدْ دَلَفْتُ لَهَا بِخَيْلٍ تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ
أي : القائمُ لهم مقامَ التحيةِ، الضربُ الوَجِيع.


الصفحة التالية
Icon