الثالث : أن تكون « في » بمعنى الباء، وهو متعلقٌ بالإتيان، أي : إلاَّ أن يأتيهم بظلل؛ ومن مجيء « في » بمعنى الباء قوله :[ الطويل ]
١٠٢٩ -........................ | خَبِيرُونَ في طَعْنِ الكُلَى وَالأَبَاهِرِ |
١٠٣٠ -................. فَإنَّني | خَبِيرٌ بأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ |
وقرأ أُبيّ وقتادة والضَّحاك : في ظلالٍ، وفيها وجهان :
أحدهما : أنها جمع ظلّ؛ نحو : صلّ وصلال.
والثاني : أنها جمع ظلَّة؛ كقلَّة وقلال، وخلَّة وخلال، إلاَّ أنَّ فعالاً لا ينقاس في فُعلة.
قوله تعالى :« مِنَ الغَمَامِ » فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلق بمحذوف؛ لأنه صفةٌ ل « ظُلَل » التقدير : ظُلَلٍ كائنةٍ من الغمام. و « مِنْ على هذا للتعبيض.
والثاني : أنه متعلق ب » يَأْتِيهم «، وهي على هذا لابتداء الغاية، أي : من ناحية الغمام.
والجمهور على رفع » المَلاَئِكَةُ « ؛ عطفاً على اسم » الله «.
وقرأ الحسن وأبو جعفر : بجرِّ » الملائكةِ « وفيه وجهان :
أحدهما : العطف على » ظُلِلٍ «، أي : إلاَّ أن يأتيهم في ظللٍ، وفي الملائكة.
والثاني : العطف على » الغمامِ « أي : من الغمام ومن الملائكة، فتوصِف الملائكة بكونها ظللاً على التشبيه، وعلى الحقيقة، فيكون المعنى يأتيهم أمر الله وآياته، والملائكة يأتون ليقومون بما أمروا به من الآيات والتعذيب، أو غيرهما من أحكام يوم القيامة.
قوله :» وقُضِيَ الأمرُ « الجمهور على » قُضِيَ « فعلاً ماضياً مبنياً للمفعول، وفيه وجهان :
أحدهما : أن يكون معطوفاً على » يَأْتيهم « وهو داخل في حيِّز الانتظار، ويكون ذلك من وضع الماضي موضع المستقبل، والأصل : ويقضى الأمر وإنما جيء به كذلك؛ لأنه محققٌّ كقوله :﴿ أتى أَمْرُ الله ﴾ [ النحل : ١ ] وقوله :﴿ وَإِذْ قَالَ الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني ﴾ [ المائدة : ١١٦ ] والسبب في اختيار هذا المجاز، إمَّا التنبيه على قرب الآخرة، وكأنها قد أتت، أو المبالغة في تأكيد وقوعها، كأنها قد وقعت.
والثاني : أن يكون جملة مستأنفة برأسها، أخبر الله تعالى بأنه قد فرغ من أمرهم، فهو من عطف الجمل، وليس داخلاً في حيّز الانتظار.
وقرأ معاذ بن جبل :» وَقَضَاء الأَمْرِ « قال الزمخشريُّ :» عَلَى المصْدَرِ المرفوع؛ عطفاً على الملائكة «. وقال غيره : بالمدِّ والخفض؛ عطفاً على » الملائكة «.
قيل : وتكون على هذا » فِي « بمعنى » البَاءِ « أي : بظُللٍ، وبالملائكة، وبقضاء الأمر، فيكون عن معاذ قراءتان ي الملائكة، الرفع والخفض، فنشأ عنهما قراءتان له في قوله :» وقُضِيَ الأمر «.