انتهى وهو غير واضح.
قوله :﴿ فَثَمَّ وَجْهُ الله ﴾ الفاء وما بعدها جواب الشَّرْط، فالجملة في محلّ جزم، و « ثَمَّ » خبر مقدمن و « وَجْهُ اللهِ » رفع بالابتداء، و « ثَمَّ » اسم إشارة للمكان البعيد خاصة مثل : هنا وهنَّا بتشديد النون، وهو مبني على الفتح لتضمّنه معنى حرف الإشارة أو حرف الخطاب. قال أبو البقاء : لأنك تقول في الحاضر هنا وفي الغائب هناك، وثَمَّ ناب عن هناك [ وهذا ليس بشيء ].
وقيل : بني لشبهه بالحَرْشفِ في الافتقار، فإنه يفتقر إلى مشار إليه، ولا ينصرف بأكثر من جره ب « من ».
ولذلك غَلِظ بعضهم في جعله مفعولاً في قوله :﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ ﴾ [ الإنسان : ٢٠ ]، بل مفعول « رأيت » محذوف.

فصل في نفي التجسيم


وهذه الآية من أقوى الدلائل على نفي التجسيم وإثبات التنزيه؛ لأنه لو كان الله تعالى جسماً، وله جه جسماني لكان مختصاً بجانب معين وجهةٍ معينة، ولو كان كذلك لكان قوله :﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله ﴾ كذبان ولأن الةوجه لو كان محاذياً للمشرق لاستحال في ذلك الزمان أن يكون محاذياً للمغرب أيضاً، وإذا ثبت هذا، فلا بد فيه من التأويل، ومعنى « وَجْهُ اللهِ » جهته التي ارتضاها قِبْلَةٌ وأمر بالتوجه نحوها، أو ذاته نحو :﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ [ القصص : ٦٨ ]، أو المراد به الجَاهُ، أي : فَثَمَّ جلال الله وعظمته من قولهم : هو وجه القول، أو يكون صلةً زائداً، وليس بشيء.
وقيل : المراد به العمل قاله الفراء؛ وعليه قوله :[ البسيط ]
٧٥١ أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْباً لَسْتُ مُحْصٍيَهُ رَبَّ العِبَادِ إلَيْهِ الوَجْهُ والعَمَلُ
[ قوله تعالى :« وَاسِعُ عَليم » أي : يوسع على عباده في دينهم، ولا يكلفهم ما ليس في وسعهم.
وقيل : واسع المغفرة.

فصل في سبب نزول الآية


في سبب نزول الآية قولان :
أحدهما : أنه أمر يتعلّق بالصلاة. والثاني : في أمر لا يتعلق بالصلاة.
فأما القول الأول فاختلفوا فيه على وجه :
أحدها : أنه تعالى أراد به تحويل المؤمنين عن استقابل « بيت المقدس » إلى الكعبة، فبيّن تعالى أن المشرق والمغرب، وجميع الجهات كلّها مملوكة له سبحانه وتعالى، فإينما أمركم الله عزّ وجلّ باستقباله فهو القبلة؛ لأن القبلة ليست قبلة لذاتها؛ بل لأن الله تعالى جعلها قبلة، فهو يدبر عباده كيف يريد ] وكيف يشاء فكأنه تعالى ذكر ذلك بياناً لجواز نسخ القبلة من جانب إلى جانب آخر.
وثانيها : قال ابن عباس رضي الله عنهما لما تحولت القِبْلَة عن « بيت المقدس » أنكرت اليهود ذلك، فنزلت الآية ونظيره قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon