قوله :« لم يَجْرِ له ذكر » بل قد جرى ذكره فلا بُعْدَ فيه.
وجمع « قَانِتُونَ » حملاً على المعنى لما تقدم من أن « كُلاَّ » إذا قطعت عن الإضافة جاز فيها مراعاة اللفظ، [ ومراعاة المعنى، وهو الاكثر نحوه :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٣٣ ] ﴿ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴾ [ النمل : ٨٧ ] ومن مراعاة ] اللَّفظ :﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ ﴾ [ الإسراء : ٨٤ ] ﴿ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ﴾ [ العنكبوت : ٤٠ ]، وحسن الجمع هنا لِتَوَاخي رُؤُوس الآي.
والقُنُوت : أصله الدوام، ويستعمل على أربعة أوجه : الطاعة والانقياد، كقوله تعالى :﴿ يامريم اقنتي لِرَبِّكِ ﴾ [ آل عمران : ٤٣ ] وطول القيام، كقوله عليه السلام « لما سئل : أي الصَّلاة أفضل؟ قال : طول القُنُوت » وبمعنى السّكوت [ كقول زيد بن أرقم رضي الله عنه : كنا نتكلّم في الصلاة حتى نزل قوله تعالى :﴿ وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [ البقرة : ٢٣٨ ] فأمسكنا عن الكلام والدعاء، ومنه القنوت.
قال ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهما :« قانتون » أي : أن كل من في السموات والأرض مطيعون.
وأورد على هذا أن الكفار ليسوا مطيعين.
وقال السّدي رحمه الله تعالى : يطيعون يوم القيامة، وأوردوا على هذا أيضاً بأن هذا صفة المتّكلين ].
وقوله تعالى :﴿ لَّهُ مَا فِي السماوات ﴾ يتناول مَنْ لا يكون مكلفاً، فعند هذا فسّروا القنوت بوجوه أخر :
الأول : بكونها شاهدةً على وجود الخالق سبحانه بما فيها من آثار الصّنعة، وأمارات الحدوث والدلائل على الربوبية.
الثاني : كون جميعها في ملكه وقهره يتصرّف فيها كيف يشاء، وهو قول أبي مسلم رحمه الله تعالى، وعلى هذين الوجيهن الآية عامة.
الثالث : أراد بما في السَّموات الملائكة وما في الأرض عيسى والعزيز؛ أي كل من هؤلاء الذين حكموا عليه بالولدية أنهم قانتون له.
فصل فيمن قال اتخذ الله ولداً
قال ابن الخطيب : اعلم أن الظاهر من قوله :﴿ وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَداً ﴾ أن يكون راجعاً إلى قوله :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله ﴾ [ البقرة : ١١٤ ] وقد ذركنا أن منهم من تأوّله على النصارى.
ومنهم من تأوّله على مشركي العرب.
ونحن قد تأولناه على اليهود، وكل هؤلاء أثبوا الولد لله تعالى؛ لأن اليهود قالوا : عزير ابن الله، والنَّصَارى قالوا : المسيح ابن الله، ومشركوا العرب قالوا : الملائكة بنات الله، فلا جَرَمَ صحت هذه الحكاية على جميع التقديرات.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إنها نزلت في كعب بن الأشرف، و كعب بن الأسد، ووهب بن يهوذا؛ فإنهم جعلوا عزيراً ابن الله [ سبحانه لم يتخذ صاحبة ولا ولداً.
وروى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ] عن النبي ﷺ قال : قال الله تعالى :« كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أنِّي لاَ أََقْدِرُ أنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ : لِي وَلَدٌ فَسُبْحَانِي أنْ أَتْخِذَ صَاحِبَةً أوْ وَلَداً ».