« لو » و « لولا » يكونان حرفي ابتداء، وقد تقدم عند قوله :﴿ فَلَوْلاَ فَضْلُ الله ﴾ [ البقرة : ٦٤ ] ويكونان حرفي تحضيض بمنزلة :« هلا » فيختصَّان بالأفعال ظاهرة أو مضمرة، كقوله :[ الطويل ]
٧٦٦ تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُمْ | بَنِي ضَوْطَرَى لَوْلاَ الكَمِيَّ المُقَنَّعَا |
٧٦٧ ونُبِّئْتُ لَيْلَى أَرْسَلَتْ بِشَفَاعَةٍ | إلَيَّ فَهَلاَّ نَفْسُ لَيْلَى شَفِعُهَا |
وقال أبو البقاء : إذا وقع بعدها المستقبل كانت للتحضيض، وإن وقع بعدها الماضي كانت للتوبيخ وهذا شيء يقوله علماء البيان، وهذه الجملة التخضيضية في محلّ نصب بالوقل.
قوله :﴿ كَذَلِكَ قَالَ الذين ﴾ قد تقدم الكلام على نظيره فليطلب هناك.
وقرأ أبو حيوة، وابن أبي إسحاق :« تَشَّابَهَت » بتشديد الشين.
قال الدَّاني :« وذلك غير جائز؛ لأنه فعل ماض »، يعني : أن التاءين المزيدتين إنما تجيثان في المضارع فتدغم أما الماضي فلا.
فصل في قبائح اليهود والنصارى والمشركين
هذا نوع آخر من قبائح اليهود والنصارى والمشركين، فإنهم قدحوا في التوحيد باتَّخاذ الولد، وَقَدَحُوا الآن في النبوّة.
قال ابن عباس :« هم اليهود ».
وقال مجاهد :« هم النصارى » لأنهم المذكورون أولاً، ويدلّ على أن المراد أهل الكتاب قوله تعالى :﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكتاب أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السمآء فَقَدْ سَأَلُواْ موسى أَكْبَرَ مِن ذلك ﴾ [ النساء : ١٥٣ ].
فإن قيل : المراد مشركو العرب، لأنه تعالى وصفهم بأنهم لا يعلمون، وأهلب الكتاب أهل العلم.
[ قلنا ] : المراد أنهم لا يعلمون التوحيد والنبوة كما ينبغي، وأهل الكتاب كانوا كذلك.
وقال قتادة وأكثر المفسرين : هم مشركو العرب لقوله :﴿ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ الأولون ﴾ [ الأنبياء : ٥ ]، وقالوا :﴿ لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا الملائكة أَوْ نرى رَبَّنَا ﴾ [ الفرقان : ٢١ ].
وتقرير هذه الشبهة أنك تقول : إن الله تعالى يكلّم الملائكة وكلم موسى، ويقول : يا محمد إن الله تعالى كلّمك فلم يكلمنا مُشَافهة، ولا ينص على نبوتك حتى يتأكّج الاعتقاد، وتزول الشبهة، فأجابهم أنا قد أيدنا قول محمد ﷺ بالمعجزات، وبالآيات وهي القرآن، وسائر المعجزات، فكان طلب هذه الزوائد من باب التعنّت، فلم يجب إجابتها لوجوه :
أحدها : أنه إذا حصلت الدلالة الواحدةن فقد تمكّن المكلف من الوصول إلى المطلوب، فلو كان غرضه طلب الحق لاكتفى بتلك الدلالة، فحيث لم يكتف بها، وطلب الزائد عليها علمنا أن ذلك من باب العناد، ويدل له قوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهِمْ ﴾ [ العنكبوت : ٥١ ].
وثانيها : لو كان في [ علم الله تبارك وتعالى ] أنهم يؤمنون عند إنزال هذه الآسية لَفَعَلَهَا، ولكنه علم أنه لو أعطاعهم ما سألوه لما ازدادوا إلا لجاجاً فلا جرم لم يفعل ذلك، وذلك قال تعالى :