وهذا يدل على تسليم كون « نون » مسلمني تنويناً، وإلاّ فالصحيح أنها نون وقاية.
الثالث وهو مذهب سيبوبه أنّ حكم الضمير حكم مظهره، فما جاز في المظهر يجوز في مضمره.
والمفعول الثاني « إمَاماً ».
قوله :« لِلنَّاسِ » يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلق بجاعل أي لأجل النَّاس.
والثاني : أنه حال من « إمَاماً »، فإنه صفةُ نكرةٍ قدم عليها، فيكون حالاً منها؛ إذ الأصل : إمَاماً للناس، فعلى هذا يتعلق بمحذوف.
و « الإِمَامُ » : اسم ما يؤتمّ به أي يقصد ويتبع كالإزار اسم ما يؤتزر به.
ومنه قيل لحائط البناء :« إِمَام » ويكون في غير هذا جمعاً ل « آمّ » اسم فاعل من آمّ يؤمّ نحو : قائم وقيام، ونائم ونيام وجائع وجياع.
والمراد من الإمام هاهنا النبي، ويدلّ عليه وجوه :
منها أن قوله :« للنَاسِ إِمَاماً » يدل على أنه تعالى جعله إماماً لكل الناس، والذي يكون كذلك لا بد وأن يكون رسولاً من عند الله مستقلاًّ بالشرع؛ لأنه لو كان تبعاً لرسول آخر لكان مأموماً [ لذلك الرسول لا إماماً له، فحينئذ ] يبطل العموم.
وأيضاً إنّ اللفظ يدلّ على أنه إمام في كل شيء [ والذي يكون كذلك لا بد وأن يكون نبيّاً.
وأيضاً إنّ الأنبياء عليهم السلام أئمة من حيث يجب على الخلق اتباعهم ] قال الله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ [ الأنبياء : ٢١ ].
والخلفاء أيضاً أئمة؛ لأنه رتّبوا في محل يجب على الناس اتباعهم، وقبول قولهم، وأحكامهم. والقضاة، والفقهاء أيضاً أئمة لهذا المعنى، والذي يصلّي بالناس يسمى أيضاً إماماً به.
قال ﷺ :« إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَام إِمَاماً لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا » وقد يسمى من يؤتم به في الباطل، قال الله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار ﴾ [ القصص : ٤١ ] إلا أنه لا يستعمل إلا مقيداً.

فصل في إمامة سيدنا إبراهيم


اعلموا أن الله تعالى لما وعده بأن يجعله إماماً للناس حقّق الله تعالى ذلك الوعد فيه إلى قيام السَّاعة، فإن أهل الأديان على شدّة اختلافها ونهاية تنافيها يعظمون إبراهيم ﷺ، ويتشرفون بالانتساب إليه إما في النسب، وإما في الدين والشريعة حتى إن عَبَدَةَ الأوثان كانوا معظمين لإبراهيم عليه الصَّلاة والسلام.
وقال الله تعالى :﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ﴾ [ النحل : ١٢٣ ] وقال تعالى :﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ [ البقرة : ١٣٠ ].
وقال تعالى :﴿ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المسلمين مِن قَبْلُ ﴾ [ الحج : ٧٨ ].
وجميع أمة محمد ت ﷺ يقولون في صلاتهم : وارْحَمْ محمّداً وآل محمد كما صليت وباركت وترحّمت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم.
قوله :« وَمِنْ ذُرِّيتِي » فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أ، « ومنْ ذُرِّيَّتي » صفة لموصوف محذوف هو مفعول أول، والمفعول الثَّاني والعامل فيهما محذوف تقديره : قال : واجعل فريقاً من ذريتي إماماً قاله أبو البقاء.


الصفحة التالية
Icon