[ آل عمران : ١٨٣ ] أي : أمرنا، وقال تعالى :﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بني آدَمَ ﴾ [ يس : ٦٠ ] يعنى ألم أقدم إليكم الأمر به، فيكون معنى قوله تعالى :﴿ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين ﴾ أي : لا يجوز أن يكونوا بمحلّ من يقبل أوامر الله.
[ قال قتادة رحمه الله تعالى : هو الإيمان.
وقال مجاهد والضحاك رحمهما الله هو طاعتي، أي : ليس لظالم أن يطاع في ظلمه ومعنى الآية : لا ينال ما عهدت إليك من النبوة والإمامة من كان ظالماً من ولدك.
وقال أبو عبيدة رحمه الله تعالى : العهد الأمان من النار؛ لقوله تعالى :﴿ الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أولئك لَهُمُ الأمن ﴾ [ الأنعام : ٨٢ ].
قال ابن الخطيب : والأول أولى؛ لأنه جواب لسؤال الإمامة.
فإن قيل : أفما كان إبراهيم عليه الصَّلاة والسَّلام عالماً بأن النبوة لا تليق بالظَّالمين؟
فالجواب : بلى، ولكن لم يعلم حال ذرّيته، فبيّن الله تعالى أن فيهم من هذا حاله، وأن النبوة إنما تحصل لمن ليس بظالم.

فصل في عصمة الأنبياء


الآية تدلّ على عصمة الأنبياء من وجهين.
الأول : أنه قد ثبت أن المراد من هذا العهد : الإمامة، ولا شكّ أن كل نبي إمام، فإن الإمام هو الذي يؤتم به، والنبي أولى الناس، وإذا دلّت الآية على أن الإمام لا يكون فاسقاً، فبأن تدلّ على أن الرسول لا يجوز أن يكون فاسقاً فاعلاً للذنب والمعصية أولى.
الثاني : أنَّ العَهْدَ إن كان هو النبوة، وجب أن تكون لا ينالها أحد من الظَّالمين، وإن كان هو الإمامة، فكذلك لأن كل نبي لا بد وأن يكون إماماً يؤتم به، وكل فاسق ظالم لنفسه، فوجب ألاَّ تحصل النبوة لأحد من الفاسقين.

فصل في أنه هل يجوز عقد الإمام للفاسق؟


قال الجمهور من الفقهاء والمتكلّمين : الفاسق حال فسقه لا يجوز عقد الإمامة له، واختلفوا في أنَّ الفسق الطَّارىء هل يبطل الإمامة أم لا؟
واحتج الجمهور على أنّ الفاسق لا يصلح أن تعقد له الإمامة بهذه الآية، ووجه الاستدلال بها من وجهين :
[ الأول : ما بيّنا أن قوله :« لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ » جواب لقوله :« وَمِنْ ذُرِّيَّتِي » وقوله :« وَمِنْ ذُرِّيََّتِي » طلب الإمامة الَّتي ذكرها الله تعالى، فوجب أن يكون المراد بهذا العهْدِ هو الإمامة، ليكون الجواب مُطَابقاً للسؤال، فتصير الآية كأنه تعالى قال : لا ينال الإمامة الظَالمين، وكل عاص فإنه ظالم لنفسه، فكانت الآية دالّة على ما قلناه ].
فإن قيل : ظاهر الآية يقتضي انتفاء كونهم ظالمين ظاهراً وباطناً ولا يصح ذلك في الأئمة والقضاة.
[ قلنا ] : أما الشيعة [ فيستدلون ] بهذه الآية على صحة قولهم في وجوب العِصْمَةِ ظاهراً وباطناً.
وأما نحن فنقول : مقتضى الآية ذلك إلاّ أنا تركنا عبارة الباطن، فتبقى العدالة الظاهرة معتبرة.
فإن قيل : أليس أن يونس ﷺ قال :


الصفحة التالية
Icon