وأما إذا كانت موصولة فلأن الخبر الذي هو « فأمتعه » شبيه بالجزاء، وذلك دخلته الفاء، فكما أن الجمزاء لا يفسر عاملاً فما أشبهه أولى بذلك، وكذا إذا كانت موصوفة فإن الصفة لا تفسر.
وقال أبو البقاء : لايجوز أن تكون « من » مبتدأ، و « فأمتعه » الخبر؛ لأن « الذي » لا تدخل « الفاء » في خبرها إلا إذا كان الخبر مستحقاً بالصلة نحو : الذي يأتينين فله درهم، والكُفْر لا يستحقّ به التمتع.
فإن جعلت الفاء زائدة على قوله الأخفش جاز، أو جعلت الخبر محذوفاً، و « فامتعه » دليلاً عليه جاز تقديرهك ومن كفر أرزقه فأمتعه.
ويجوز أن تكون « من » شرطية، والفاء جوابها.
وقيل : الجواب محذوف تقديره : ومن كفر أرزق، و « من » على هذا رفع بالابتداء، ولا يجوز أن تكون منصوبة؛ لأن أدوات الشرط لا يعمل فيها جوابها، بل فعل الشرط انتهى.
أما قوله :« لأن الكفر لا يستحقّ به التمتّع » فليس بمسلّم، بل التمتُّع القليل والمصير إلى النار مستحقَّان بالكفر.
وأيضاً فإن التمتُّع وإن سلّمنا أنه ليس مستحقّاً بالكفر؛ ولكن قد عطف عليه ماهو مستحقّ به، وهو المصير إلى النار، فناسب ذلك أن يقعا جميعاً خبراً.
وأيضاً فقد ناقض كلامه؛ لأنه جوز فيها أن تكون شرطية، وهل الجزاء إلاَّ مستحق بالشرط، ومترتب عليه؟ فكذلك الخبر المشبه به.
وأما تجويزه زيادة الفاء، وحذف الخبر، أو جواب الشرط فأوجه بعيدة لا حاجة إليها.
وقرىء « أُمْتِعُهُ » مخفَّفاً من أمتع يمتع، وهي قراءة ابن عامر رضي الله عنه، و « فأمتعه » بسكون العين، وفيها وجهان :
أحدهما : أنه تخفيف كقوله :[ السريع ]

٧٨٤ فَاليَوْمَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبِ .........................
والثاني : أن « الفاء » زائدة وهو جواب الشرط؛ فلذلك جزم بالسكون، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد « فَأمْتِعْهُ ثُمَّ اضْطرَه » على صيغة الأمر فيهما، ووجهها أن يكون الضمير في « قال » لإبراهيم يعني سأل ربه ذلك و « من » على هذه القراءة يجوز أن تكون متبدأ، وأن تكون منصوبة على الاشتغال بإضمار فعل سواء جعلتها موصولة أو شرطية، إلا أنك إذا جعلتها شرطية قدرت الناصب لها متأخراً عنها؛ لأن أداة الشرط لها صدر الكلام.
وقال الزمخشري :« وَمَنْ كَفَر » عطف على « من آمن » كما عطف « ومن ذرّيتي » على الكاف في « جاعلك » قال أبو حيان : أما عطف « من كفر » على « من آمن » فلا يصح؛ لأنه يتنافى تركيب الكلام؛ لأنه يصير المعنى : قال إبراهيم ﷺ وأرزق من كفر؛ لأنه لا يكون معطوفاً عليه حتى يشركه في العامل.


الصفحة التالية
Icon