و « الرَّجُلُ » مأخوذ من الرُّجلة، أي : القوَّة، وهو أرجل الرَّجلين، أي : أقواهما وفرس رَجِيلٌ : قويٌّ على المَشي، والرَّجل معروفٌ لقوَّته على المشي، وارتجل الكلام، أي : قوي عليه من غير حاجةٍ فيه إلى فكرةٍ ورويَّة، وترجَّل النَّهار : قوي ضياؤه.
و « الدَّرَجَة » هي المنزلة، وأصلها : من درجتُ الشَّيء أدْرُجُه دَرْجاً، وأدْرَجْتُه إدْرَاجاً إذا طويته، ودَرَجَ القومُ قَرْناً بعد قرن، أي : فنوا، ومعناه : أنَّهم طووا عمرهم شيئاً فشيئاً، والمدْرَجة : قَارِعَةُ الطَّريق؛ لأنَّها تطوي منزلاً بعد منزل، والدَّرجة : المنزلة من منازل الجنَّة، ومنه الدَّرجة التي يرتقي فيها، والدَّرجُ : ما يرتقي عليها، والدَّرك ما يهوى فيها.
فصل
لما بيَّن أن المقصود من المراجعة إصلاح حالها، لا إيصال الضَّرر إليها، بيَّن أن لكلِّ واحدٍ من الزَّوجين حقّاً على الآخر.
روي عن ابن عبَّاس، قال : إني لأَتَزَيَّن لامْرَأَتِي كما تَتَزَيَّن لي؛ لقوله تعالى :﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بالمعروف ﴾.
وقال بعضهم : يجب أن يقوم بحقِّها ومصالحها، ويجب عليها الانقياد والطَّاعة له.
وقيل : لهنَّ على الزَّوج إرادةُ الإصلاح عند المراجعة، وعليهنّ ترك الكتمان فيما خلق الله في أرحامهن، وهذا أوفق لصدر الآية.
وأما درجة الرجل على المرأة فيحتمل وجهين :
الأول : أن الرَّجل أزيدُ في الفضيلة من النِّساء لأمور : في كمال العقل، وفي الدِّية، وفي الميراث، وفي القيمة، وفي صلاحية الإمامة، والقضاء، والشَّهادة، وللزَّوج أن يتزوَّج عليها ويتسرَّى، وليس لها ذلك مع الزَّوج، والزوج قادر على طلاقها وعلى رجعتها شاءت أو أبت، وليس لها ذلك.
الوجه الثاني : أن الزَّوج اختصَّ بأنواعٍ من الحقوق وهي التزام المهر والنَّفقة والذَّبُّ عنها، والقيام بمصالحها، ومنعها من مواقع الآفات، فكان قيام المرأة بخمة الرَّجل آكد وجوباً لهذه الحقوق الزَّائدة؛ كما قال - تعالى - :﴿ الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النسآء بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [ النساء : ٣٤ ]، قال - عليه الصَّلاة والسَّلام - :« لَوْ أَمَرْتُ أَحْداً بالسُّجُودِ لِغَيْرِ الله، لأَمَرْتُ المَرْأَةَ بالسُّجُودِ لِزَوْجِهَا » وإذا كان كذلك، فالمرأة كالأسير العاجز في يد الرَّجُلِ، ولهذا قال - عليه الصَّلاة والسَّلام - :« اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُم عَوَانٌ »، وفي خبرٍ آخر :« اتَّقُوا الله في الضَّعِيفَيْن : اليتيمِ والمَرْأَةِ ».
ثم قال :﴿ والله عَزِيزٌ حَكُيمٌ ﴾ أي : غالبٌ لا يمنع، مصيبٌ في أحكامه.