وروى أبو هريرة، عن النبي ﷺ أنه قال :« ثَلاَثٌ جَدُّهُنَّ جدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جدٌّ؛ الطَّلاَقُ وَالنِّكَاحُ وَالعتَاقُ ».
ورابعها : قال عطاءٌ : معناه أنَّ المستغفِر من الذنبِ إذا كان مُصرّاً عليه، أو على غيره، كان مُسْتهزئاً بآيات الله تعالى.
وقال مالكٌ في « الموطأ » : بلغنا أَنَّ رجُلاً قال لابن عبَّاسٍ : إني طلقتُ امرأَتي مائةَ مَرَّةٍ، فماذا ترى؟ فقال ابنُ عبَّاسٍ : طُلِّقَتْ منك بثلاثٍ؛ وسَبْعٌ وتسعون اخذت آياتِ الله هُزُواً.
والأَقربُ هو الأَوَّلُ؛ لأنه تهديد بعد ذكرِ تكاليفَ، فيكون تهدِيداً عليها، لا على غيرها. ولمَّا رَغَّبهم في أداءِ التكاليف بالتهديد، رغبهم - أيضاً - بذكر نعمِهِ عليهم في الدنيا والدين، فقال :« واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُم » أي : بالإسلام، وبيان الأَحكام. ويجوز في « عليكم » وجهان :
أحدهما : أن يتعلَّق بنفسِ « المنعة »، إن أريدَ بها الإِنعامُ؛ لأنها اسمُ مصدرٍ؛ كنباتٍ من أَنْبَتَ، ولا تمنع تاءُ التأنيث من عملِ هذا المصدرِ؛ لأنه مبنيٌّ عليها كقوله :[ الطويل ]
١١١٦- فَلَوْلاَ رَجَاءُ النَّصْرِ مِنْكَ وَرَهْبَةٌ | عِقَابَكَ قَدْ كَانُوا لَنَا كَالْمَوَارِدِ |
١١١٧- يُحايي بِهِ الْجَلْدُ الَّذِي هُوَ حَازِمٌ | بِضَربَةِ كَفَّيْهِ الْمَلاَ وَهْوَ رَاكِبُ |
والثاني : أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ، على أنه حالٌ من « نِعْمَة » إنْ أريد بها المُنْعَمُ به، فعلى الأول تكون الجلالةُ في محلِّ رفعٍ، لأنَّ المصدرَ رافعٌ لها تقديراً؛ إذ هي فاعلةٌ به، وعلى الثاني في محلِّ جرٍّ لفظاً وتقديراً.
قوله :﴿ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ ﴾ يجوزُ في « ما » وجهان :
أحدهما : أن تكونَ في محلِّ نصب؛ عطفاً على « نعمة »، أي : اذكروا نعمتَه والمُنَزَّل عليكم، فعلى هذا يكون في قوله :« يَعِظُكُم » حالاً، وفي صاحبها ثلاثةُ أوجهٍ :
أحدها : أنه الفاعلُ : في « أنزل » وهو اسمُ الله تعالى، أي : أنزله واعظاً به لكم.
والثاني : أنه « ما » الموصولةُ، والعاملُ في الحالِ : اذكروا.
والثالث : أنه العائد على « ما » المحذوفُ، أي : وما أنزلهُ موعوظاً به، فالعاملُ في الحالِ على هذا القولِ وعلى القولِ الأولِ « أَنْزَلَ ».
والثاني : من وَجْهي « ما » : أَنْ تكونَ في محلِّ رفع بالابتداء، ويكونَ « يَعِظُكُم » على هذا في محل رفعٍ؛ خبراً لهذا المبتدإِ، أي : والمُنَزَّلُ عليكم موعوظٌ به. وأولُ الوَجْهَيْنِ أقوى وأحسنُ.
قوله :﴿ عَلَيْكُمْ ﴾ متعلِّقٌ ب « أَنْزَلَ » و « من الكتابِ » متعلِّقٌ بمحذوفٍ، لأنه حالٌ، وفي صاحبِهِ وجهان :
أحدهما : أنه « ما » الموصولةُ.
والثاني : أنه عائدُها المحذوفُ، إذ التقديرُ : أنزله في حالِ كونِهِ من الكتابِ.
و « مِنْ » يجوز أن تكونَ تَبْعِيضِيةٌ، وأَنْ تكونَ لبيانِ الجنسِ عند مَنْ يرى ذلك.
والضمير في « به » يعودُ على « ما » الموصولةِ «.
والمرادُ من » الكِتابِ « : القرآنُ، ومن » الحِكْمَةِ « :» السُّنَّةُ «. يَعظُكُمْ بِهِ أي : يخوفكم به، ثم قال :﴿ واتقوا الله ﴾ أي : في أَوَامرِه، ولا تُخالِفُوه في نواهيه، ﴿ واعلموا أَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾.