وخَصَّصَ هذا الوعظِ بالمؤمنينَ دون غيرهم؛ لأنَّهُم المنتفِعُون به فلذلك حسنَ تخصيصهم؛ كقوله :﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [ البقرة : ٢ ] وهو هدى لِلْكُلِّ، كما قال :﴿ هُدًى لِّلنَّاسِ ﴾ [ البقرة : ١٨٥ ]، وقال :﴿ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا ﴾ [ النازعات : ٤٥ ] ﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر ﴾ [ يس : ١١ ]، مع أَنَّهُ كان منذراً لِلْكُلِّ؛ كما قال :﴿ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ﴾ [ الفرقان : ١ ].
فصل في خطاب الكفار بفروع الشريعة
احتجُّوا بهذه الآيةِ على أَنَّ الكفار ليسُوا بمخاطبين بفروع الإِسلام؛ لأن تَخْصِيصهُ المؤمنين بالأَحكام المُشَار إليها، دليلٌ على أَنَّ التكليف مختصٌّ بِمَنْ يؤمنُ باللهِ واليوم الآخر.
وأُجيبوا بأَنَّ التكليف قد ورد عامّاً؛ قال تعالى ﴿ وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾ [ آل عمران : ٩٧ ] وبيانُ الأَحكام وإن كان عامّاً في حق كل المكلَّفين، إلاَّ أَنَّه قد يكونُ ذلك البيانُ وعظاً للمؤمنين؛ لأن هذه التكاليف إِنَّما تتوجه على الكُفَّار على سبيل إثباتها بالدليل القاهر الملزم المعجز، وأَمَّا المؤمنُ المقرُّ فإِنَّما تدكرُ له وتُشْرَحُ على سبيل العظةِ، والتحذير.
قوله تعالى :﴿ أزكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ ﴾ [ البقرة : ٢٣٢ ] زكا الزرعُ إذا نما وأَلِفُ أزكى منتقلةٌ عن واو، وقوله :« أزكى » إشارةٌ إلى استحقاقِ الثَّوابِ، وقوله :﴿ وَأَطْهَرُ ﴾ إشارة إلى إزالة الذنُوبِ.
قال المفَسِّرون : أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ مِنَ الرِّيبةِ. و « لكم » متعلقٌ بمحذوفٍ؛ لأنه صفةٌ ل « أزكى » فهو في محلِّ رفع وقوله :« وَأَطْهَرُ » أي : لَكُمْ، والمُفَضَّلُ عليه محذوفٍ؛ لِلْعِلْم به، أي : مِنَ العَضْل.
قوله :﴿ والله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ معناه : أَنَّ المكلَّف وَإِنْ كان يعلمُ وجه الصَّلاح في هذه التكاليف على الجملة، إلاَّ أَنَّ التفصيل غير معلومٍ، واللهُ تعالى عالِمٌ في كل ما أَمَر ونهى، بالكمية والكَيْفية بحسب الواقِع وبِحسب التقدير؛ لأنَّه تعالى عالِمٌ بما لا نهايةَ له من المعلُوماتِ.
قال بعض المفسِّرين : معناه أَنَّ لكُل واحدٍ من الزوجين، قَدْ يكونُ في نفسه من الآخر علاقةُ حُبٍّ لم يُؤمن أَنْ يتجاوزَ ذلك إلى غير ما أَحَلَّ اللهُ لهما، ولم يُؤمن من الأَولياء أنْ يسبق إلى قُلُوبهم منهما ما لعلهما أَنْ يكُونا بريئين من ذلك، فَيَأثمون واللهُ يعلم من حُبِّ كُلّش واحدٍ منهما لصاحبه، ما لا تعلمون أَنْتم.