قوله :﴿ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ ﴾ الجمهور على « تُكَلَّفُ » مبنياً للمفعول، « نفسٌ » قائم مقام الفاعل، وهو الله تعالى، ﴿ وُسْعَهَا ﴾ مفعول ثانٍ، وهو استثناءٌ مفرغٌ؛ لأنَّ « كَلَّفَ » يتعدَّى لاثنين. قال أبو البقاء :« ولو رُفِعَ الوُسْعُ هنا، لم يَجُزْ؛ لأنه ليس ببدَلٍ ».
وقرأ أبو جراء :« لاَ تَكَلَّفُ نَفْسٌ » بفتح التَّاء، والأصل :« تَتَكَلَّفُ » فحذفت إحدى التاءين؛ تخفيفاً : إمَّا الأولى، أو الثانية على خلافٍ في ذلك تقدَّم، فتكون « نَفْسٌ » فاعلاً، و « وُسْعَها » مفعولٌ به، استثناء مفرَّغاً أيضاً. وروى أبو الأشهب عن أبي رجاء أيضاً :« لا يُكَلِّفُ نَفْساً » بإسناد الفعل إلى ضمير الله تعالى، فتكون « نَفْساً » و « وُسْعَها » مفعولين.
والتكليفُ : الإلزام، وأصله من الكلف، وهو الأثر من السَّواد في الوجه؛ قال :[ البسيط ]
١١٢٨- يَهْدِي بِهَا أَكْلَفُ الخَدَّيْنِ مُخْتَبَرٌ | مِنَ الْجِمَالِ كَثِيرُ اللَّحْمِ عَيْثُومُ |
وفلانٌ كَلِفٌ بكذا : أي مُغْرًى به.
و « الوُسْعُ » هنا ما يسع الإنسان فيطيق أخذه من سعة الملك أي الغرض، ولو ضاق لعجز عنه، فالسَّعة بمنزلة القدرة، ولهذا قيل : الوسع فوق الطَّاقة، والمراد منه : أنَّ أبا الصّبي لا يتكلّف الإنفاق عليه، وعلى أُمِّه، إلاَّ ما تتسع له قدرته، لأنَّ الوسع ما تتَّسع له القدرة، ولا يبلغ استغراق القدرة؛ وهو نظير قوله تعالى :﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ الله لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا ﴾ [ الطلاق : ٧ ].
فصل في احتجاج المعتزلة بالآية
تمسَّك المعتزلة بهذه الآية في أنَّ الله - تعالى - لا يكلّف العبد ما لا يقدر عليه.
وقوله :﴿ لاَ تُضَآرَّ ﴾ ابن كثير، وأبو عمرو :« لا تُضَارُّ » برفع الراء مشددةً، وتوجيهها واضح، لأنه فعلٌ مضارعٌ لم يدخل عليه ناصبٌ ولا جازمٌ فرفع، وهذه القراءة مناسبةٌ لما قبلها، من حيث إنه عطف جملة خبريّةٌ على خبرية مثلها من حيث اللفظ وإلاَّ فالأولى خبريةٌ لفظاً ومعنًى، وهذه خبريةٌ لفظاً نهييَّةٌ معنًى ويدل عليه قراءة الباقين كما سيأتي.
قال الكسائيُّ والفراء : هو نسقٌ على قوله :« لاَ يُكَلِّفُ ».