قال النحاس :« والخُطبة » ما كان لها أَوَّل وآخر، وكذلك ما كان على فعله، نحو الأَكلة، والضَّغطَة.

فصل في جواز التعريض بالخطبة في عدة الوفاة


التعريضُ بالخطبة مباحٌ في عدَّة الوفاة، وهو أَنْ يقول : رُبَّ راغبٍ فيك، ومَنْ يجدُ مثلك، إنَّك لجميلة إنَّك لصالِحَةٌ، إنّك عليّ كريمةٌ، إنِّي فيك لراغِبٌ، وإن مِنْ غرضي أَنْ أَتزوَّج، وإِنْ جمع اللهُ بيني وبينك بالحلالِ أعجبتني، وإِنْ تزوَّجتُك لأُحسن إليك، ونو ذلك من الكلامِ، من غير أَنْ يقول : أَنْحكيني.
والمرأةُ تجيبه بمثله، إِنْ رغبتْ فيه.
وقال إبراهيم : لا بأس أَنْ يُهدي لها ويقوم بشغلها في العدة، إذا كانت غير شابةٍ.
روي أَنَّ سُكَيْنةَ بنت حنظلة؛ بانت من زوجها، فدخل عليها أَبُو جعفرٍ محمَّد بن علي الباقر في عِدّتها، وقال : يا ابنة حنظلة، أنا مَنْ قد عَلِمْت قرابتي مِنْ رسولِ الله - ﷺ - وحقَّ جَدِّي عليِّ، وقدَمي في الإسلام، فقالت له سُكينة : أَتخطبني وأنا في العدَّة، وأَنْتَ يؤخذُ عنك؟ فقال أو قد فعلت؟ إِنَّما أخبرتُك بقرابتي مِنْ رسول الله - ﷺ -.
وقد دخل رسول الله - ﷺ - على أُمِّ سلمة، وهي في عِدَّةٍ من زوجها، أبي سلمة، فذكر لها منزلتهُ مِنَ الله - تعالىَّ - وهو متحامِلٌ على يده؛ حتَّى أثَّر الحصيرُ في يده من شدَّة تحامله على يده.

فصل


والنٍّساء في حكم الخِطبة على ثلاثة أقسامٍ :
الأول : التي يجوز خِطْبتُها تعريضاً، وتصريحاً، وهي الخاليةُ عن الأَزْوَاجِ والعدد إلاَّ أَنْ يكونَ خطبها غيره؛ لقوله - ﷺ - :« لا يَخْطِبَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيْهِ »، وهذا الحديثُ وإِنْ كان مطلقاً ففيه ثلاثةُ أجوالٍ :
الحالة الأولى : أَنْ يخطب الرجلُ، فيجاب صريحاً؛ فهاهنا لا يَحِلُّ لغيره أَنْ يخطبها.
الحالة الثانية : أَنْ يُجابَ بالردِّ صريحاً؛ فها هنا يَحِلُّ لغيره أَنْ يخطبها.
الحالة الثالثة : ألاَّ يوجد صريحُ الإجابة، ولا صريحُ الرَّدِّ؛ فهاهنا فيه خلافٌ.
فقال بعضهم تجوزُ خطبتها؛ لأَن السكوتَ لَمْ يدُلَّ على الرِّضا وهو الجديدُ عن الشَّافعيَّ.
وقال مالكٌ : لا يجوزث، وهو القديمُ؛ لأنَّ السكوت وإِنْ لم يدُلَّ على الرضا، لكنه لا يدلُّ أيضاً على الكراهة، فربَّمَا حصلت الرغبةُ مِنْ بعضِ الوجوه؛ فتصيرُ هذه الخِطبةُ الثانية مزيلة لذلك القدر من الرغبة.
القسم الثاني : التي لا تجوز خِطْبتُها؛ لا تصريحاً، ولا تعريضاً، وهي زوجة الغير؛ لأَنَّ خطبتها ربما صارت سبباً لتشويش الأَمر على زوجها، مِنْ حيثُ إنها إذا علمت رغبة الخاطب، فربما حملها ذلك على الامتناع مِنْ تأدية حُقُوق الزوج، والتسبب إلى هذا حرامٌ، والرجعية كذلك؛ لأنها في حكم الزوجة؛ لصحة طلاقها، وظهارها، ولعانها، وعِدَّتُها منه عِدَّة الوفاة إذا مات عنها ويتوارثان.


الصفحة التالية
Icon