قد تقدَّم أنَّ « ماذا » له استعمالات ستَّةٌ عند قوله :﴿ مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً ﴾ [ البقرة : ٢٦ ]. وهنا يجوز أن تكون « ماذا » بمنزلة اسمٍ واحدٍ، بمعنى الاستفهام؛ فتكون مفعولاً مقدَّماً ل « يُنْفِقُونَ » ؛ لأنَّ العرب يقولون :« عماذا تَسْأَلُ » بإثبات الألف، وحذفوها من قولهم :﴿ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [ النبأ : ١ ] وقوله ﴿ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا ﴾ [ النازعات : ٤٣ ] فلما لم يحذفون الألف من آخر « مَا »، علمت أنه مع « ذا » بمنزلة اسم واحدٍ، ولم يحذفون الألف منه، لمَّا لم يكن آخر الاسم، والحذف يلحقها إذا كان آخراً، إلاَّ أن يكون في شعر؛ كقوله :[ الوافر ]
١٠٤٥ - عَلَى مَا قَامَ يَشْتَمُنِي لَئِيمٌ | كَخنْزِيرٍ تَمَرَّغَ فِي رمَادِ |
قال القرطبي : متى كانت اسماً مركابً، فهي في موضع نصب إلاَّ ما جاء في قول الشاعر :[ الطويل ]
١٠٤٦ - وَمَاذَا عَسَى الوَاشُونَ أَنْ يَتَحَدَّثُوا... سِوَى أَنْ يَقُولُوا : إِنَّنِي لَكِ عَاشِقُ
فإِنَّ « عَسَى » لا تعمل فيه، ف « ماذا » في موضع رفعٍ، وهو مركَّبٌ؛ إذ لا صلة ل « ذا ».
وجاء « ينفقون » بلفظ الغيبة؛ لأنَّ فاعل الفعل قبله ضمير غيبةٍ في « يَسْألونَكَ »، ويجوز في الكلام « ماذا نُنْفِقُ » كما يجوز : أقسم زيدٌ ليَضْرِبَنَّ ولأضْرِبَنَّ، وسيأتي لهذا مزيد ببيانٍ في قوله تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ ﴾ [ المائدة : ٤ ] في المائدة إن شاء الله تعالى.
قوله :﴿ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ ﴾ يجوز في « ما » وجهان :
أظهرهما : أن تكون شرطيّةً؛ لتوافق ما بعدها، ف « ما » في محلِّ نصبٍ، مفعولٌ مقدَّمٌ، واجبُ التقديم؛ لأنَّ له صدر الكلام. و « أَنْفَقْتُمْ » في محلّش جزمٍ بالشرط، و « مِنْ خَيْرٍ » تقدَّم إعرابه في قوله :﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ ﴾ [ البقرة : ١٠٦ ].
وقوله : فللوالدين « جواب الشرط، وهذا الجارُّ خبر لمبتدأ محذوف، أي : فمصرفه للوالدين، فيتعلَّق بمحذوفٍ، إمَّا مفردٌ، وإمَّا جملةٌ على حسب ما ذكر من الخلاف فيما مضى. وتكون الجملة في محلِّ جزمٍ بجواب الشرط.
والثاني : أن تكون » مَا « موصولة، و » أَنْفَقْتُمْ « صلتها، والعائد محذوف، لاستكمال الشروط، أي : الذي أنفقتموه. والفاء زائدة في الخبر الذي هو الجارُّ والمجرور.
قال أبو البقاءِ في هذا الوجه :» ومِنْ خيرٍ يكون حالاً من العائد المحذوفٍ «.